منير أديب يكتب: هيئة تحرير الشام وطالبان.. أوجه متشابهة بين الانفراد بالسلطة واضطهاد الأقليات - ترند نيوز

0 تعليق ارسل طباعة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
21df3362ba.jpg

دخل أبو محمد الجولانى إلى سوريا فوق دبابة أمريكية، وبعد أنّ خططت إسرائيل وقررت إطلاق الصافرة الأخيرة لنظام الرئيس السورى بشار الأسد، حتى أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلى أشار إلى أنّ الضربات التى وجهتها إسرائيل لإيران وحزب الله التى أدت إلى سقوط النظام.


وأعقب رئيس الوزراء الإسرائيلى أنّ دولته تُعيد رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد، وأنّ سقوط النظام السوري، كان بتخطيط إسرائيلي، وهنا تم إعطاء الإذن إلى أحمد الشرع ومليشياته فى إدلب أنّ للتقدم نحو المدن والمحافظات السورية حتى الوصول إلى العاصمة السورية دمشق.


فما كان للجولانى أنّ يصل إلى دمشق إلا برضا أمريكى وتخطيط إسرائيلى وسط تخلى إيرانى وروسى عن الحليف الذى دعموه قرابة اثنى عشر عامًا.
 

المجتمع الدولى هو من جمد هؤلاء المسلحين فى إدلب وحافظ على وجودهم وحماهم من تصفية قوات الأسد وأتاح لهم حكمًا ذاتيًا، فهذه المحافظة انفصلت عمليًا عن بقية المحافظات السورية التى كانت تقع تحت سلطة وسيطرة الرئيس السوري، بل كانت بمثابة بروفا للحكم يتم إعداد جبهة النصرة فيها لليوم الموعود الذى يُسيطرون فيه على كامل سوريا.


ثم أعطت واشنطن الضوء الأخضر لتركيا، وبالتالى أعطت أنقرة الضوء الأخير لميلشياتها فى إدلب للتقدم فى باقى المحافظات السورية، فتم ذلك حتى وصلوا إلى العاصمة دمشق، وكان الاتفاق على الخروج الآمن للرئيس بشار وأسرته وأركان نظامه مقابل تسليم العاصمة دون إراقة نقطة دم واحدة، وهو ما حدث بالفعل.


كان يمتلك المقاتلون الذين تمت رعايتهم من قبل أنقرة ٤ مصانع للطائرات المسيرة، وقد أنتجوا قرابة ١٠ آلاف مسيرة بالتعاون مع أوكرانيا، وسط اتفاق دولى للحفاظ على هؤلاء المقاتلين، فهم بمثابة السلاح الذى تواجه من خلاله واشنطن النظام السوري، كما أنه بمثابة السلاح الذى تواجه من خلاله تركيا الأكراد التى وضعتهم على قوائم الإرهاب.
أفغنة الحالة السورية
هيئة تحرير الشام هى من كانت تقود العمليات العسكرية ضد بشار الأسد وأركان نظامه، وهو الفصيل المؤهل لتسلم السلطة دون بقية المعارضة السورية، وبخاصة الذين لم يستخدموا السلاح أو يمكن إطلاق لفظة المعارضة عليهم، وأغلبهم قوى مدنية وعلمانية، ليست عسكرية.
هذه الفصائل منعت من المشاركة فى تشكيل الحكومة المؤقتة من قبل أبو محمد الجولاني، بدعوى أنها قوى علمانية، بينما تم تكليف محمد البشير برئاسة مجلس الوزراء فى حكومة إنقاذ، ومعروف عن الرجل انتماءه لجماعة الإخوان المسلمين، وقد قاتل مع الجولانى وكان مقربًا منه.
أغلب الذين اختارهم البشير فى حكومته جهاديين سابقين أو حاليين، وبعضهم جلس معه على الطاولة التى جمعت وزراء حكومة تسيير الأعمال وهم ملثمون! صحيح هؤلاء وصلوا للسلطة ولكنهم مازالوا يعتقدون أنهم يُديرون تنظيماتهم المتطرفة تحت الأرض، وسوف يظلون على هذا الحال حتى عندما يُديرون الحكم من قصر الشعب فيما بعد.
الوزراء سياسيون ولكن جيئ بهم وهم يحملون البندقية، كى يحكموا شعبًا أعزل؛ وهنا تبدو الخطورة الشديدة بين أناس تربوا على حمل السلاح واستخدامه ضد الأبرياء وبين مناصبهم الجديدة التى يتم عسكرتها.
الولايات المتحدة الأمريكية تصالحت مع ما تسمى هيئة تحرير الشام، وأعطت لها الإذن بالتقدم نحو العاصمة دمشق، مثلما فعلت مع حركة طالبان، مع العلم أنّ الهيئة وضعت على قوائم الإرهاب الأمريكية، كما أنّ واشنطن رصدت مكافأة قدرها عشرة ملايين جنيه مقابل الوصول إلى الجولاني.
وضعت هذه المكافأة والرجل حى يُرزق ومعروف مكانه سواء عندما كان موجودًا فى إدلب أو بعد سيطرته على دمشق، وهو ما يؤكد أنّ واشنطن ليس لديها مشكلة فى استخدام واسغلال تنظيمات الإسلام السياسى بما فيها هيئة تحرير الشام الإرهابية.

fde4e85e2d.jpg


كما ليس لديها أى مشكلة فى غض الطرف عن جماعات الإسلام السياسى مقابل تحقيق مصالح سياسية ضيقة، وهذا ما أثر بصورة كبيرة على صعود ونمو الجماعات المتطرفة فى منطقة الشرق الأوسط والكثير من المناطق فى العالم.
الولايات المتحدة الأمريكية تدرس حاليًا فكرة رفع هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب؛ ويبدو أنّ قرار رفعها من قوائم الإرهاب إجراء روتينى بعد أنّ أعطتها واشنطن صك الشرعية من خلال إسقاط النظام السياسى فى سوريا.
أمريكا سبق وتصالحت مع حركة طالبان فى أفغانستان وقامت بتسليمها السلطة بعد أنّ غزت أفغانستان فى العام ٢٠٠١ واستمر وجودها فى البلد الأسيوى ٢٠ عامًا؛ ثم خرجت بعد ذلك باتفاق مع الحركة بعد أنّ سلمتها السلطة بصورة كاملة، وهنا تبدل الحال، حيث باتت الحركة نظام سياسى مرض عنه من قبل الأمريكان.
وهنا تبدو الرؤية الأمريكية واضحة فى ملف مكافحة الإرهاب، فهى لم تكن جادة فى مواجهة تنظيمات الإسلام السياسي، بل تستخدمها ضمن القوى السياسية والمتردة التى يُهددون من خلاله الأنظمة العربية المستقرة، وهو ما حدث فى الحالتين الأفغانية والسورية.
وهنا يمكن القول، إنّ الولايات المتحدة الأمريكية هى المسئول الأول والأخير عن أفغنة الحالة السورية، ونقل تجربة طالبان إلى داخل سوريا من خلال دعمها وتقديمها للشعب السورى كبديل لنظام بشار الأسد.
أمريكا ودعم تنظيمات الإسلام السياسي
وصول تنظيمات الإسلام السياسى فى المنطقة العربية جاء بموافقة أمريكية، بل بدعم دولى على رأسه واشنطن؛ ويبدو هذا واضحًا فى ليبيا كمثال وفى سوريا مؤخرًا، وهنا لا يجب التعويل على جهود واشنطن فى مكافحة الإرهاب، لأنها غير جادة فى هذه المواجهة من ناحية، بل توظف الجماعات المتطرفة لتنفيذ مصالحها فى منطقة الشرق الأوسط من ناحية أخرى.
أمريكا وإسرائيل هما أول المستفيدين من وراء تغيير النظام السوري، الأولى دعمت دخول هؤلاء المتطرفين إلى العاصة العربية، بينما تل أبيب هى من خططت لعملية السيطرة للتخلص من النفوذ الإيراني، فالواقع يحكى أنّ التغيير تم بأصابع أمريكية إسرائيلية، صحيح الأدوات كانت مقاتلين ومجاهدين عرب وسوريين.
أمريكا تقود أكبر عملية انقلاب فى منطقة الشرق الأوسط، تستخدم فيها تنظيمات الإسلام السياسي؛ وهنا يبدو أنّ واشنطن لا تجد مشكلة فى استخدام الجماعات المتطرفة من أى خلفية دينية، طالما ذلك يُحقق مصالحها السياسية.
أوجه الشبه بين هيئة تحرير الشام وطالبان
أوجه الشبه بين طالبان وهيئة تحرير الشام يبدو كبيرًا ليس على مستوى السلوك فقط ولكن على مستوى البنية التنظيمية أيضًا؛ فكل منهما له أفكاره الخاصة وسلوكه الخاص، ولكن تحدث تقاطعات يجب أنّ نرصدها فى بداية التجربة السورية.
تُريد الولايات المتحدة الأمريكية أنّ تقدم نموذجا للحكم فى سوريا أشبه بنظام الحكم الذى تقوده حركة طالبان؛ صحيح واشنطن لا تُرضيها إدارة طالبان للحكم، ولكن استطاعت واشنطن أنّ تُسيس الحركة وأن تنزع دسمها وما تُشكله من خطورة على أمن أمريكا، وهى ما تُحاول أنّ تفعله مع الهيئة من واقع التصريحات الأمريكية التى رصدناه منذ بداية السيطرة على دمشق.
كلٌ من الحركة والهيئة لديهما مواقف موحدة تجاه المرأة والأقليات والمختلفين، ولكن تبدو الهيئة أكثر تطرفًا من الحركة، فالنسخة الثانية من طالبان تبدو أخف فى تطرفها من النسخة الأولى وإنّ كانت تجمعهما مشتركات واحدة، أما الهيئة فهى نسخة هجين ما بين تنظيم القاعدة وداعش، فهى الأكثر تطرفًا والأكثر عنفًا تجاه المرأة والأقليات.
فكل منهما لا يرى حقا للأقليات حتى ولو خرجت التصريحات بخلاف ذلك، ومنطقهم فى ذلك أنهم هم من يُمثلون الله فى الأرض وهم الذين يرعون الحق الإلهى ويمتلكون الحقيقة، فيعطون لأنفسهم الحق بينما يمنعونه عن الآخرين.
هنا تُراهن واشنطن على الراعى التركى والضامن فى نفس الوقت، والهدف تقليم أظافر الهيئة أو تهذيبها بحيث تكون أقرب الشبه بحركة طالبان، حيث نجحت واشنطن فى إيجاد صيغة تعامل معها.
صحيح أنّ طالبان وفرت حاضنة لتنظيم القاعدة سواء قبل الغزو الأمريكى أو أثناءه أو بعد خروج واشنطن من أفغانستان، بينما هيئة تحرير الشام تمثل خليط هجين من القاعدة وداعش، وبالتالى فهى نموذج فى السلطة والحكم أكثر قسوة من طالبان، وهو ما تخشاه واشنطن وإسرائيل، وربما دفع الأخيرة لتفجير كل أسلحة الجيش السورى حتى لا يستخدمه ضدها.
طالبان لم تُشارك الطوائف والقبائل ولا المرأة ولا المختلفين فى الحكم، هم وحدهم فقط فى السلطة، وهو ما سوف تفعله الهيئة بتفرد وانفراد، لأنهم يمثلون الحق الإلهى ويُعبرون عن ظل الله فى الأرض كما يعتقدون، فهم صورة حقيقية للإرهاب.
متوقع أنّ تنشب خلافات عسكرية مسلحة بين الفصائل والميليشيات التى تندرج حتى لافتة هيئة تحرير الشام، أو بينها وبين داعش التى بدأت تعمل فى البادية السورية، خاصة وأنّ المناخ بات مهيئًا للتنظيمات المتطرفة فى الداخل السوري، ولعل هذا شبه آخر بين الحالتين السورية والأفغانية.
لا حريات عامة ولا خاصة فى تلك المناطق التى تُسيطر عليها كل التنظيمات المتشددة والمتطرفة وبخاصة هيئة تحرير الشام وطالبان ومن كان على شاكلتهم؛ فهذه التنظيمات لا تُؤمن بحق المرأة ولا بحق المختلف دينيًا ولا بالمختلف معها على مستوى الأفكار، بل قد تُكفر هؤلاء وتنزع عنهم صفة الإسلام.
مواجهة الحالة الأفغانية فى سوريا
لابد من إنشاء تحالف عربى تكون مهمته الحقيقية مواجهة صعود تيارات الإسلام السياسى العنيفة إلى السلطة فى عدد من العواصم العربية، فضلًا عن استخدام واستغلال هذه التنظيمات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
هناك نهم أمريكى شرس نحو التهام المنطقة العربية والحفاظ على مصالحها، وهذا لن يتم إلا من خلال قوى منظمة حتى ولو كانت هذه القوى تنظيمات الإسلام السياسي، ولذلك واشنطن ومعها دول كبرى عمدت إلى تقديم هذا الدعم، وهو ما يستلزم قراءة دقيقة لمواجهة هذا التوغل حتى لا يُؤثر سلبًا على أمن المنطقة العربية.
وقعت العديد من وسائل الإعلام العربية فى فخ وصف التنظيمات المتطرفة فى سوريا بالمعارضة المسلحة، وهو توصيف خاطئ ويُجافى الحقيقة، فالمعارضة مصطلح سياسى لا يستخدم المعارض العنف وسيلة للتعبير، وإذا حدث يُسمى ميليشيا أو فصيل، فالمعارض ليس مسلحًا والمسلح لا يمكن أنّ يكون معارضًا.
فهؤلاء الذين سيطروا على سوريا تنظيمات وفصائل وميليشيات مسلحة ذات خلفيات متعددة ولكن تظل هيئة تحرير الشام هى المسيطرة على كل الفصائل، وهنا يمكن أنّ نقول بوضوح إنها تنظيمات إسلاموية مسلحة، لأن القرار يبقى فى النهاية للهيئة أو جبهة النصرة سابقًا.
وهنا يتم تقديم المصالح السياسية على القراءة الدقيقة للمشهد والتى تستلزم تسمية هذه التنظيمات بأسمائها الحقيقية، وبالتالى التعامل معها كما ينبغي.
هذا الخطاب ليس معناه الدفاع عن أخطاء النظام السابق فى سوريا، ولكن السؤال، هل المقابل يكون تنظيمات إسلاموية متطرفة؟ وإذا صعدت الأخيرة للسلطة، فما الذى يجب أنّ تفعله المنطقة العربية من أجل مواجهة تحفظ أمن المنطقة؟
لابد من وجود اتفاق عربى على مواجهة الخطر القادم من سوريا، ولابد من تسمية جماعات العنف والتطرف مهما تغيرت أسمائها أو حاولت أنّ ترتدى ثيابًا جديدة، فالمصلحة الأهم هو الحفاظ على أمن المنطقة من خطر جماعات العنف والتطرف.

b91b023ffe.jpg
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق