"جائزة الأركانة العالمية" تحتفي بدفاع الشاعر قاسم حداد عن القضايا العادلة - ترند نيوز

0 تعليق ارسل طباعة

بالمكتبة الوطنية في العاصمة الرباط، توّج “بيت الشعر بالمغرب” شاعر البحرين البارز قاسم حداد بـ”جائزة الأركانة العالمية للشعر”، التي سبق أن توّجت شعراء من قبيل محمود درويش ومحمد الأشعري وسعدي يوسف، ومحمد بنطلحة… تتويجا لقصيدة صاحب “لستُ ضيفا على أحد” والدور الذي “اضطلعَت به في التصدي للتقليد، برؤية مستقبلية تنتصر لمحبة الحياة، ولترسيخ الحرية، ولطاقة اللغة على الإبداع المتجدّد والمجدّد”.

“جائزة الأركانة”، التي يقدمها “بيت الشعر” ومؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير ووزارة الشباب والثقافة والتواصل، قال تقرير لجنة تحكيمها إن في قصيدة الشاعر قاسم حداد “قبس أمل يشعّ مِن دون تفاؤل مفرط؛ قبس خافت يلمع متراقصا من داخل ركام اليأس السميك الذي يتقوى في سيرورة الحياة الحديثة، لكنه قبس عنيد، يصون عناده من ثقة الشاعر في طاقة القول الشعري”، كما حضرت مواقف الشاعر المتوّج، حيث قال الأمين العام للجائزة إن حداد قد “دافع عن الحرية كشاعر”، ودافع عن القضايا العادلة بالمنطقة “وعلى رأسها القضية الفلسطينية”.

وسبق أن كتب قاسم حداد من برلين الألمانية قصيدة، ختمها بقول:

لستُ ضيفاً لكي أصعدَ على مضضٍ

إلى بيتٍ يخافُ من وحشته

لستُ ضيفاً لكي أنامَ وحدي

في غرفةٍ تئنُّ أرضُها مصقولة تحت عربات أحلامي

فليست الشرفة غير وريقات صفراء تهطل في شارع (كودم)

وعطايا النوم رحلة مشتهاة تكاد أن تغفو.

“الشعر حريتي الوحيدة”

من منصة المكتبة الوطنية بالرباط، قال الشاعر قاسم حداد بعد تسلّم “جائزة الأركانة”: “الشعر هو حريتي الوحيدة، حريتي الأخيرة، في وقت تحاصر هذه الحرية وتصادَر من شعوب العالم. من هذه الحقيقة أعتقد بالكتابة من قبل الشخص، في هذا الجحيم المتفاقم في واقعنا الإنساني، فالعدو من أمامنا، والحاكم العالمي فوقنا وفي ظهرنا، في واقع إنساني لا يكترث ولا يرحم”.

وأضاف: “تلقيت خبر حصولي على الجائزة في خضم القتل الوحشي للآلة الإسرائيلية في فلسطين ولبنان، ولا بد لي من تأكيد أن جيلي الذي ينال هذه الجائزة معي، تعلم السياسة والعمل النضالي من فلسطين كقضية إنسانية يستحيل تجاوزها، وهي درس يظل قائما في تاريخنا الحديث، مؤكدا ما قلته في رام الله قبل سنوات: لا أحد منا سيكون فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين، وكلما كان مستقلا عن كل السلطات صار في حرية النضال”.

ثم أردف قائلا: “أشكر ثقة لجنة التحكيم في التجربة الشعرية العربية الحديثة التي أزعم اتصالي بها، وبيت الشعر في المغرب في مشروعه الحضاري الذي أطلقه في بداية القرن الواحد والعشرين (…) هذه جائزة كبيرة، والشعر كبير أيضا”، قبل أن يهدي الجائزة لزوجته الحاضرة في الحفل؛ لأنها “من وقفت بجانبِ تجربتي في الحياة والكتابة”، كما أهداها إلى “أصدقائي الكتاب في البحرين والبلدان العربية ومن بينهم أمين صالح، وإلى فلسطين ولبنان وكل الشعوب التي يحاصرها الموت من كل الجهات”.

وترك الشاعر قاسم حداد وصية، في آخر كلمته: “أتمنى من شعراء العالم الكتابة بحرية وجمال، بمعزل عن السلطات والذائقة العامة”.

صوتٌ مضيء

قال حسن نجمي، الأمين العام لجائزة الأركانة، إن “بيت الشعر بالمغرب” قد دأب منذ 22 سنة على منح جائزة عالمية للشعر هي “جائزة الأركانة العالمية للشعر”، التي تستمد اسمها من “اسم متجذر في التربة والذاكرة والوجدان المغربي”؛ فـ”فينا جميعا شيء من هذه الشجرة، من خضرتها، وعنادها، وصمودها عبر الأزمنة، في جنوب المغرب حيث لا توجد في مكان وجغرافيا أخرى”.

وزاد: “هذه الجائزة كرمت عددا من كبار شعراء العالم، من الشعرية المغربية والعربية والإفريقية ومن أقطار غربية متعددة، والبقية تأتي. وهذه المرة التفتت لجنة التحكيم لواحد من أبرز شعراء الوطن العربي، أحد أبرز الأصوات المضيئة المشرقة، في الكتابة والحياة (…) ابن البحرين، ابن الجزيرة العربية، والقارة الآسيوية، في سمته ومتخيله وأفق تفكيره، انتصر دائما للشعر، ودافع عنه، وتصرف في الفضاء العمومي كشاعر، حريصا على هذه الهوية، ومهنة الكتابة؛ كتابة الأجمل والأنقى والأصفى”.

وتطرق نجمي لأول لقاء لحداد بشاعر مغربي، كان لقاءَهُ مع عبد اللطيف اللعبي، ثم عقده جملة من الصداقات من بينها صداقته مع الشاعر والأكاديمي محمد بنيس، الذي أجرى معه “حوارا هاما في مجلة “الثقافة الجديدة” (…) وحضر في مهرجان أصيلة، ومعارض الكتاب، وكرّم في المغرب أكثر من مرة (…) ونسج صداقات مع الوسط الشعري والثقافي المغربي، وله أصدقاء كثر من مختلف الأجيال، تبادل معهم روح الصداقة والألفة، وهو نابع أيضا من صفاء صلصال الشاعر الجميل، الذي عاش تجربة السجن، ودافع عن الحرية في بلده، وصار رمزا من رموز البحرين؛ حيث يمثل صوتا مختلفا، مغايرا، وممن جددوا القصيدة والكتابة، شعرية ونثرية أيضا. (…) ولهذا هو الشاعر العربي الكبير، الذي تشرف الجائزة باسمه كما شرفت بأسماء كبيرة (….) وهو من الشعراء الأفذاذ الذين لا نبقى بعد قراءة شعرهم، كما كنا من قبل، يفتحون كوة على البهاء، ويملؤون كياننا بالدهشة. ولا تكتمل خريطة كبار الشعراء الكبار العرب دونه”.

“فتيلٌ في الظلام”

قال مراد القادري، رئيس بيت الشعر بالمغرب، إن هذه الجائزة العالمية “للقول المدهش والملهم، تجوب الآفاق، وتحط الرحال في جهات الشعر وتقيم الحوار بين الشعرية المغربية والعربية والعالمية، لتصير رمزا للصداقة الإنسانية”، انطلاقا من إيمان بـ”جدوى الشعر وحاجة البشرية، منذ صرختها الأولى وحتى شهقتها الأخيرة إليه، ليعينها على احتمال العالم وقبوله”.

ثم استرسل قائلا: “إن بيت الشعر في المغرب إذ يعتز ببلوغ هذه الجائزة دورتها السابعة عشرة، يعتز، كذلك، بأن يكون اسم الشاعر البحريني قاسم حداد ضمن سجلات هذه الجائزة إلى جانب عدد من شعراء العالم، ممن اقتسموا معه قيم الوفاء للكتابة والاستجابة لنداءاتها في ضوء النهار وحلكة الليل”، مستحضرا تصريحا سابقا للمتوّج: “كانت القصيدة تراودني في النوم، فأسحب الورق، وأبدأ الكتابة. ودون أن أعي ما كنت أفعل، أكتب مسودتي بداية في سواد الورقة، وأواصل الكتابة على مفرش السرير. وفي الصباح تذهب زوجتي لغسل بقية نص المسودة بماء البيت”.

وعلّق الشاعر مراد القادري على ذكرى الشاعر قاسم حداد: “ليست الكتابة في الظلام سوى محاولة لإشعال فتيل الحرف، ليحرق أعطاب البشرية ومفاسدها، وينفث في رئة الكون هواء جديدا، بعد أن تلوث بأدخنة وغبار الحروب، وآهات القتلى، وصرخات المفجوعين فوق أرض الله وبلاده، كما هو الحال في فلسطين المحتلة”.

مناضل ثقافي

محمد الأشعري، شاعر وروائي ووزير الثقافة سابقا ورئيس اتحاد كتاب المغرب الأسبق، كشف في كلمته أنه قد عرف قاسما حداد قبل أن يعرف البحرين؛ “فهو بشعره وتجربته الخاصة، استضافنا مبكرا جيل السبعينات من الشعراء المغاربة، في تجربته الإنسانية والشعرية، وبعد ذلك سنكتشف أن بين البحرين والمغرب وشائج لا تحصى (…) أنشأنا تجربة شعرية من خارج المركز، وأصبحنا شعرا مركزيا في التجربة الشعرية العربية، أولينا اهتماما كبيرا لقضايا مجتمعنا وللإشكاليات السياسية المعنية بتنظيم الدولة والمجتمع في بلداننا، ودفعنا ثمنا لذلك”.

وتحدث الأشعري عن ما بينه وبين قاسم حداد من “توأمة شعرية وسجنية أيضا”، ثم تحدث عن “تجربته الشعرية القائمة على حوار مع اللغة والصورة الشعرية والتراث الشعري الإنساني والعربي، وبنفس هذا القدر من الجهد أصغى السمع لذبذبات مجتمعه وهموم وطنه العربي؛ ليهبَنا تجربة شعرية خاصة، ويهبنا أيضا إحساسا بأن على كتفنا مسؤوليات متعددة تجاه مجتمعنا ووطنا ونداء الحرية والحق في بلداننا”.

الناقد والأكاديمي نجيب العوفي تطرقت كلمته للـ”الشاعر الكبير، الذي طلع علينا من ربوع الخليج من البحرين، نخلة شعرية فارهة، وارفة السعفات، تساقط رطبا شعرية (…) ولد عام النكبة الفلسطينية العربية، التي كانت نذير شؤم ووبال على المنطقة العربية، ومفرخة لكل النكبات والمواجع، التي حملها سيزيف العربي، في أبشع وأشنع إبادة بشرية في العصر الحديث”.

ثم قال إن المنجز الشعري “لهذا التاريخ العربي المدرّج بالمواجع، يأخذ بعضه بنواصي البعض، وإحدى نقاط الضوء والأمل في ليلنا العربي البهي، قاسم حداد، وهو بتوقيت العمر الشعري، من الجيل الثاني للحداثة الشعرية العربية، وكان ضخة شعرية خليجية دافئة وحارة في جسد القصيدة العربية الحديثة (…) وقد كانت مرحلة السبعينات من القرن الفارط، تتحرك فوق صفيح ساخن على الصعيد العربي والعالمي، وكانت مرحلة شهدت عنفوان الانطلاقة الإبداعية والنضالية لقاسم حداد، مناضلا ومقاتلا في أكثر من جبهة ثقافية، في تناغم وتلاحم تامّين مع المحافل والمشاهد الثقافية السبعينية المشتعلة، على امتداد الواقع العربي (…) وأورقت وأينعت نخلته الشعرية والنثرية، وشرقت وغربت في الآفاق، لكن النسغ الحراري الإبداعي الأصيل، ظل ساريا في عروقها، ما بدلت تبديلا”.

محمد الكيماخ، المدير التنفيذي لمؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، تطرق بدوره إلى ما في هذا المحفل من “احتفاء بنبل وجمالية الكلمة وحمولتها الإبداعية”، مردفا أن المؤسسة هي “الراعي الرسمي للجائزة منذ سنة 2008، التي صارت ذات صيت واسع ووازن عالميا، تقدم لحظات لتكريم تجارب تنتصر للجمال والدهشة”، وتكرم اليوم قاسم حداد الذي هو “شاعر كبير، من دولة شقيقة، هي البحرين، التي يجمعنا بها تاريخ واحترام عريقان”.

عبد الحميد بن الفاروق، رئيس لجنة التحكيم، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، ذكر من جهته أن “جائزة الأركانة” تقدّم “كل سنة، تحية للشعراء، وتقاسم وإياهم حب الشعر والسهر عليه”، وتكرم هذه السنة “تجربة خاصة في العيش في الشعر الإنساني، وتجديد تناسق الكلمات والجمل، والدفاع عن الحق في الاختلاف والحرية والسلم”، وتقدّم “جائزة الصداقة الشعرية والانفتاح الثقافي” أركانتَها إلى الشاعر الذي “يدافع عن قيم الحرية والاختلاف والأمل” نظير “الإبداع الذي ينحَت في مادة اللغة والإحساس، ويجدّد دماءه بفضل الألم من جهة والأمل من جهة أخرى؛ جهة الشعر بالنسبة إلى قاسم حداد”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق