بالرغم من تأكيده على المجهود الإيجابي الذي بذله المغرب على مر سنوات طويلة من أجل تكريس منظومة وطنية للحماية الاجتماعية واستحضاره مجموعة من الأرقام المهمة التي تدافع بها الحكومة عن حصيلتها في تنزيل هذا المشروع، إلا أن المرصد المغربي للحماية الاجتماعية سجل أن سياسات الحماية الاجتماعية المنفذة طيلة أربع سنوات الماضية شابتها مجموعة من “الاختلالات”.
وضمنت هذه الهيئة المدنية في تقريرها “حول سياسات الحماية الاجتماعية بالمغرب 2021- 2024″، الذي قدمته اليوم في ندوة صحافية بالرباط، مجموعة من مميزات حصيلة الحكومة في تنفيذ برامج الحماية الاجتماعية، من وجهة نظر رئيسها ووزرائها، موردة تطوير أنظمة التحديد والاستهداف “من خلال تعميم السجل الوطني للسكان قبل متم سنة 2022، والسجل المجتمعي الموحد على مجموع الصعيد الوطني قبل متم سنة 2023، مما مكن من إطلاق منح التعويضات العائلية بناء على معايير الأهلية لهذين السجلين”.
أرقام الحكومة
ولفت المرصد المغربي للحماية الاجتماعية إلى تخطي عدد المسجلين في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض “Amo-تضامن” 11,4 مليون مستفيد في وضعية هشاشة مع نهاية أكتوبر 2024، فيما بلغ عدد المستفيدين من العمال غير الأجراء حتى الشهر ذاته حوالي 3,8 ملايين مؤمن، منهم 1,7 مليون من العمال غير الأجراء المنخرطين كمؤمنين رئيسيين و1,2 مليون شخص من ذوي الحقوق.
وأشار تقرير المرصد ذاته إلى تخطي عدد المستفيدين من برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، حتى نهاية أكتوبر من السنة الجارية، 4 ملايين أسرة، بما في ذلك 5 ملايين و400 ألف طفل، ومليون و200 ألف شخص يتجاوز عمرهم 60 سنة.
بخصوص تمويل سياسة الحماية الاجتماعية، ذكّر المرصد، استنادا إلى معطيات الحكومة دائما، بالتزام الأخيرة برصد ميزانية قدرها 40 مليار درهم بحلول سنة 2026، وتدبير مصادر هذا التمويل من خلال الموارد الذاتية للدولة والعائدات الجبائية، وإعادة توجيه الاعتمادات المالية المرصودة لمجموعة من برامج الدعم السابقة وتعبئة احتياطي صندوق التماسك الاجتماعي (سنة 2024 فقط)، فضلا عن الإصلاح التدريجي لصندوق المقاصة (2026).
“غياب دعم البطالة”
في المقابل، توصل تقييم وتتبع المرصد لمختلف المبادرات والبرامج الحكومية سالفة الذكر، طيلة أربع سنوات على دخول القانون الإطار للحماية الاجتماعية حيز التنفيذ، إلى ستة اختلالات في سياسات الحماية الاجتماعية الموزعة على مجموعة من مستويات وجوانب التنزيل.
فعلى المستوى المعياري والملائمة، سجل المرصد “غياب المعايير الدنيا عن سياسات الحماية الاجتماعية”، إذ إنها “لا تلتزم بضمان الحماية من مخاطر البطالة”، مستحضرا أنه “لم ينص قانون الإطار على إمكانية تقديم دعم مادي قار للأشخاص الذين لم يتمكنوا من ولوج سوق الشغل، وهم شريحة تقدر بأزيد من 1.633.000 عاطل على المستوى الوطني في الفصل الثاني من سنة 2024”.
ولفت المصدر عينه إلى أن هذه السياسات “لا تحترم مقاربة النوع”، مشيرا في هذا الجانب إلى “تسجيل تمييز بين النساء العاملات في القطاع العام والعاملات بالقطاع الخاص على مستوى الاستفادة من رخصة الأمومة، وغياب مؤشرات الحماية الاجتماعية عبر البيانات المقسمة على أساس الجنس”.
“الحكامة والمشاركة”
أما على مستوى الحكامة والمشاركة، فانتقد المرصد ما أسماه “الحكامة المشوشة” لسياسات الحماية الاجتماعية، راصدا عدم عقد رئاسة الحكمة “اللجنة الوزارية لقيادة إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية” إلا مرة واحدة سنة 2024، بالإضافة إلى اشتغال اللجان الموضوعاتية الثلاث بين وزارية الموكول إليها تتبع تنزيل السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد وتحديد عتبة الاستحقاق للاستفادة من البرنامج، ووضع التدابير القانونية لمواكبته، “بدون سند قانوني باستثناء المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية 2023”.
وسجل المصدر ذاته، في هذا الصدد، خلق “منظومة مؤسساتية طور التشكل فوق القطاعات الوزارية المعنية بصلاحيات إدارية ومالية كبيرة قد تتجاوز صلاحيات الفاعل السياسي”، مع “عدم التركيز على مراجعة حكامة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”، منتقدا “تضخم النصوص القانونية المنظمة للحماية الاجتماعية، التي تعاكس الغرض من القانون الإطار الهادف لتوحيد النصوص القانونية المؤطرة للموضوع”، و”تأخر” اعتماد بعض النصوص القانونية المهيكلة، أساسا “تعديل القانون المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي”.
“استهداف غير ناجع”
المرصد توقف كذلك عند “الاختلال” المسجل على مستوى الاستهداف والشمول في سياسات وبرامج الحماية الاجتماعية بالمغرب، معتبرا أن نظام الاستهداف كان “غير ناجع”؛ إذ لفت إلى أن اعتماد النظام التصريحي لتقدير مستوى الدخل، “ينطوي على الكثير من المغالطات نتيجة التصريحات المخفضة وغير الدقيقة للأسر”، وإلى “اختلالات في عمليات تصفية قاعدة المعطيات المعلوماتية للأسر، التي أدت خلال سنتي 2023 و2024 إلى حرمان فئات واسعة من المواطنين من التمتع بالحقوق وبالخدمات الاجتماعية”.
وقال المرصد إن هذا الوضع يجعل “الحالة المغربية تحصر الدعم العمومي ضمن تدابير تقنية وبيروقراطية، ينجم عنها تضييق عدد المستفيدين من الحماية الاجتماعية، وتجعل من الاستهداف آلية تهدف إلى التقليص ما أمكن من الموارد الميزانياتية المخصصة لمختلف السياسات والبرامج الاجتماعية”.
كما سجل التقرير، علاقة بشمول سياسات الحماية الاجتماعية، “عدم جاذبية نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين وفئات غير الأجراء المزاولين لنشاط خاص”، راصدا مؤشرات على ذلك، من قبيل “تسجيل 1,74 مليون من أصل 3 ملايين المبرمجة”، و”عدم استفادة ما يفوق 87 في المئة من الفئات المهنية المسجلة في النظام من التغطية الصحية، بسبب إغلاق حساباتهم لتوقفهم عن أداء المساهمات المستحقة”.
“التمويل والاستدامة؟”
على صعيد التمويل، سجل المرصد وجود “تخوف من صعوبة توفير الاعتمادات المالية الكافية وانخراط والتزام كافة المتدخلين المعنيين بتعميم الحماية الاجتماعية”، منتقدا في هذا الشأن “لجوء الحكومة إلى مراجعة أدوار صندوق المقاصة وتوجيه مخصصاته (…) نحو آليات مندمجة للحماية الاجتماعية والسجل الاجتماع الموحد، وبشكل خاص لتمويل تكاليف الصحة”؛ إذ من شأن هذه المقاربة “حماية فئات مقابل إفقار أخرى”، وفق المصدر ذاته.
في السياق عينه، حذر التقرير من الآثار المحتملة “للفجوات الكبيرة” المسجلة على العرض الصحي الوطني بين الطموح والإمكانيات على فعالية نجاح مشروع الحماية الاجتماعية، مستحضرا في هذا الجانب “ضعف ميزانية الوزارة الوصية”، و”سوء تدبير الموارد البشرية في قطاع الصحة العمومية”.
منتقلا إلى تقييم حصيلة آثار سياسات الحماية الاجتماعية، انتقد التقرير كونها “تضع الثقل على كاهل الأسر”؛ إذ تبين للمرصد باستحضار الأرقام الرسمية للمصاريف الإجمالية للصحة على عاتق المؤمن أن الأسر تتحمل “الجزء الأكبر” من هذه المصاريف، بنسبة 63,3 في المئة، (منها 50 في المئة بشكل مباشر من الموارد الضريبية، و24,4 في المئة من الموارد الضريبية، و22,4 في المئة من اشتراكات التغطية الصحية، و1,2 في المئة من المشغلين وباقي أرباب العمل”.
ولفت المصدر ذاته إلى أنه رغم إيجابية الأرقام المقدمة من طرف الحكومة في حصيلتها على مستوى تنزيل برنامج الحماية الاجتماعية، إلا أنها “لم تنعكس على واقع عيش العديد من الأسر المغربية”، نظرا “لارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، الذي تسبب في ارتفاع تكلفة المعيشة”.
كآخر “اختلال” رصده في سياسات الحماية الاجتماعية بالمغرب، انتقد التقرير اعتماد الحكومة في تمويل هذا المشروع على القروض الدولية، محذرا من أن “تأثير مؤسسات التمويل الدولية على الحماية الاجتماعية في التجربة المغربية يمكن قراءته من زاوية إطلاق سياسة تقويم هيكلي مقنع تقوم على فرضية التفكيك التدريجي لصندوق المقاصة (التعميم)، بما يحقق توازن الميزانية، ويؤدي عمليا إلى رفع الدولة للدعم عن المواد والخدمات العمومية، مما يهدد بتعميق الفجوات الاجتماعية”.
0 تعليق