في السنوات الأخيرة، كثّف الإعلام الجزائري من حملاته التي تستهدف وحدة المغرب الترابية، متجاهلاً الحقائق التاريخية والدولية التي تؤكد أن الصحراء جزء لا يتجزأ من المملكة المغربية. وبلغ الأمر مؤخراً أن وصفت القناة الجزائرية الثالثة والإذاعة الجزائرية المشاركين في المسيرة الخضراء، التي أطلقها الملك الراحل الحسن الثاني، بعبارات مسيئة نترفع عن ذكرها. رداً على أبواق جنرالات الجارة الشرقية المرتزقة الحقيقيين الذين تركوا مشاكل وقضايا الشعب الجزائري الأساسية، والويلات التي يعانيها هذا الشعب الذي حباه الله بالنفط والغاز والمعادن ولا يحظى بحقه في عيش كريم ولو بربع مستوى معيشة شعوب الخليج التي تنتج أقل مما تنتجه الجزائر من تلك المواد، نقدم هذا الرد التاريخي، مدعوماً بالوثائق الدولية حول مغربية الصحراء، ونبرز الأبعاد الإنسانية والوطنية للمسيرة الخضراء.
تعبير سلمي عن وحدة المغرب
في 6 نوفمبر 1975، أطلق الملك الحسن الثاني حدثاً تاريخياً استثنائياً يعرف بـ”المسيرة الخضراء”، بمشاركة 350 ألف مغربي ومغربية انطلقوا من كافة أنحاء المملكة إلى الأقاليم الجنوبية، حاملين القرآن والأعلام الوطنية، ومرددين هتافات الوحدة والسلام. جاءت المسيرة كتأكيد لارتباط الصحراء بالمغرب واستجابةً لرأي محكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975، الذي أكد وجود روابط قانونية وروحية بين المغرب والصحراء رغم عدم اعتراف المحكمة بسيادة صريحة.
وعكس ما تدعيه أبواق الإعلام الجزائري حول المشاركين في المسيرة، فهؤلاء لم يكونوا حفاة أو جياعاً، بل مواطنين من مختلف شرائح المجتمع المغربي الذين لبّوا نداء الملك دفاعاً عن وحدة التراب الوطني. ولم يحملوا سلاحاً، بل توجهوا بقلوب مفعمة بالإيمان وعزيمة صلبة، وهو ما أثار إعجاب العالم بهذا الإنجاز السلمي الفريد، الذي توّج بتوقيع اتفاق مدريد الثلاثي في 14 نوفمبر 1975، حيث انسحبت إسبانيا من الصحراء وسلمت إدارتها إلى المغرب وموريتانيا، لتستكمل المملكة بعد انسحاب موريتانيا سيادتها الكاملة على أراضيها الصحراوية.
أصدرت محكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975 رأيها الاستشاري بناءً على طلب الأمم المتحدة، وخلصت إلى أن هناك روابط قانونية وروحية قوية بين الصحراء المغربية والعرش المغربي. فقد قدم المغرب أدلة تاريخية دامغة تشمل بيعات القبائل الصحراوية لملوك المغرب، وهي روابط أقرّتها المحكمة، ورغم أن المحكمة دعت إلى تقرير المصير، فإنها لم تعترف بـ”استقلال” الأقاليم، مما أثبت للعالم أن الصحراء لم تكن أرضاً بلا صاحب، كما هو شأن الجزائر التي أثبت التاريخ بأنها كانت أرضاً خلاء ولم تكن بها أية دولة لحظة دخول فرنسا إليها.
إن هذا الرأي يعتبر حجر الزاوية في التأكيد على مغربية الصحراء، فهو رأي صادر عن أعلى هيئة قضائية دولية، ومع ذلك، يتغاضى الإعلام الجزائري عن ذكر هذه الحقائق التاريخية، ويستمر في محاولة تضليل الرأي العام، وتضليل شعبه بالدرجة الأولى لأسباب سنوردها في نهاية المقال.
مواقف دولية راسخة
على مر العقود، حظيت مغربية الصحراء بدعم واسع من العديد من الدول الكبرى والمنظمات الدولية. وفيما يلي بعض المحطات المهمة:
الولايات المتحدة الأمريكية: في ديسمبر 2020، أعلنت الولايات المتحدة اعترافها بمغربية الصحراء، في خطوة تاريخية أعلنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. ولم تتراجع إدارة الرئيس الحالي جو بايدن عن هذا القرار، مما يعكس أهمية الشراكة الاستراتيجية بين المغرب وأمريكا.
الدول الأوروبية: تدعم العديد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وإسبانيا وألمانيا، المبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها حلاً واقعياً للنزاع، مما يعكس إقرار هذه الدول ضمنياً بمغربية الصحراء. وأكدت دول مثل إسبانيا وفرنسا موقفها الرسمي بدعم هذا الطرح، مع الدعوة إلى حل سياسي يضمن وحدة الأراضي المغربية.
الاتحاد الإفريقي: رغم دعم بعض الدول الأفريقية لجبهة البوليساريو، إلا أن غالبية الدول الأفريقية تساند الطرح المغربي، مثل السنغال وكوت ديفوار والغابون، مما يعكس تأييداً أفريقياً واسعاً للسيادة المغربية.
جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق: صرح مراراً بأن طرح المغرب للحكم الذاتي هو الحل الأكثر واقعية للنزاع.
جيمس بيكر، مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى الصحراء: اعتبر أن المغرب يقدم الحل الواقعي، حيث اقترح المغرب الحكم الذاتي تحت سيادته منذ 2007، وقد لاقى هذا المقترح استحساناً في عدة محافل دولية.
حل سياسي في إطار السيادة المغربية
إن الارتباط بين المغرب والأقاليم الصحراوية موثّق منذ قرون، فقد كانت القبائل الصحراوية تقدم الولاء للملوك المغاربة، وتشارك في الحملات العسكرية والسياسية ضمن الدولة المغربية. وتثبت الوثائق التاريخية والمعاهدات أن المغرب قد حافظ على سيادته على الصحراء حتى دخول القوى الاستعمارية في القرن التاسع عشر، حيث وقع المغرب معاهدات مع فرنسا وإسبانيا تحدد حدوده الجنوبية بما يشمل الصحراء.
كما أن المغرب ظل يتمسك بأحقيته في الصحراء حتى بعد استعمارها من قبل إسبانيا، وواصل العمل عبر القنوات الدبلوماسية للمطالبة بحقوقه التاريخية، مما يعكس عدم قبول المغاربة بأي وجود أجنبي في أراضيهم.
منذ 1975، والأمم المتحدة تسعى إلى إيجاد حل سياسي للنزاع في الصحراء المغربية، ولم تعترف أي دولة بعضوية “الجمهورية الصحراوية” التي أعلنتها جبهة البوليساريو. وبدلاً من ذلك، تدعو الأمم المتحدة إلى التوصل لحل سلمي في إطار احترام وحدة الأراضي المغربية.
وفي 2007، اقترح المغرب مبادرة الحكم الذاتي كحل شامل يضمن إدارة الأقاليم الجنوبية ضمن السيادة المغربية، وقد نالت هذه المبادرة استحساناً واسعاً من المجتمع الدولي، إذ إنها تقدم حلاً عملياً لنزاع دام عقوداً.
الحقائق لا تُخفى
أمام هذه الحقائق التاريخية والمواقف الدولية، نجد أن حملات الإعلام الجزائري التي تسعى إلى تشويه المسيرة الخضراء وادعاءاتها حول أن المشاركين فيها كانوا “حفاة وجياعاً”، ليست إلا محاولات بائسة ومقيتة وتفتقر لأدنى أخلاقيات مهنة الصحافة النبيلة، تهدف إلى تضليل الرأي العام وتجاهل الواقع. لقد أثبت المغرب عبر التاريخ، سواء بجهوده السياسية أو عبر تأكيد الحقائق القانونية والتاريخية، أن الصحراء جزء لا يتجزأ من أراضيه.
إن المسيرة الخضراء لم تكن مسيرة “للجياع”، بل مسيرة وطنية استثنائية كما يشهد بذلك العالم بأسره وبكل كتب ومقررات تاريخه التي تدرس بالمدارس والجامعات، شارك فيها المغاربة بكل طوائفهم؛ أفراد الشعب، والسياسيون، والمثقفون، ورجال الدين، في لحظة تاريخية أبهرت العالم بقوة الوحدة الوطنية والإرادة السلمية للشعب المغربي في استرجاع أرضه. ورغم مرور عقود على المسيرة، فإن الشعب المغربي لا يزال يجدد في كل مناسبة عزمه على الحفاظ على وحدة أراضيه، وتنمية أقاليمه الجنوبية، التي تشهد اليوم نهضة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة.
اختلاق أعداء وهميين
لطالما اعتمد النظام الجزائري على خلق أزمات خارجية كوسيلة لتوجيه انتباه الشعب بعيداً عن مشاكله الحقيقية التي تتراكم يوماً بعد يوم. يعاني الشعب الجزائري من تحديات عميقة على مختلف الأصعدة، أبرزها الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، حيث يعاني الاقتصاد الجزائري من اعتماده الكبير على قطاع النفط والغاز، وسط ضعف التنوع الاقتصادي وزيادة البطالة، خاصة بين الشباب. ومع انخفاض أسعار النفط العالمية قبل حرب أوكرانيا وغزة، تفاقمت الأزمات المالية بشكل غير مسبوق، مما زاد من حالة الاحتقان الاجتماعي.
إلى جانب ذلك، يشكو المواطن الجزائري من نقص الخدمات الأساسية، بما في ذلك التعليم والصحة والإسكان، خاصة وأنه يرى ويقرأ بشكل يومي تقارير توضح بأن بلده ينتج أضعاف دول الخليج من النفط والغاز والحديد وباقي الثروات الطبيعية، ولا يعيش ربع مستوى عيش شعوب تلك الدول، وهو ما أفضى إلى احتجاجات شعبية متكررة تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية. وبدلاً من مواجهة هذه المطالب الداخلية، يقوم النظام الجزائري باختلاق مشاكل خارجية، أبرزها قضية الصحراء المغربية، محاولاً تعبئة الرأي العام ضد “العدو الخارجي”، وتقديم صورة وهمية عن “الوحدة الوطنية” لمواجهة “المؤامرات الأجنبية”.
كما شهدت الجزائر منذ 2019 حراكاً شعبياً واسعاً يدعو إلى الإصلاح السياسي والتخلص من الفساد المستشري في دواليب السلطة، ولكن بدل الاستجابة لمطالب الشعب، استمر النظام في قمع الحريات والحد من حرية التعبير والزج بالمناضلين والمناضلات الجزائريين الشرفاء في السجون بتهم كيدية، مما زاد من حالة الاحتقان وعمّق من أزمة الثقة بين الشعب وقيادته.
وبالنظر إلى هذه الأوضاع، يتضح أن تركيز النظام الجزائري على قضية الصحراء ومحاولاته المستمرة لإشعال الخلاف مع المغرب ليست سوى محاولة مكشوفة لصرف الأنظار عن الفشل الداخلي، في وقت يتطلع فيه الشعب الجزائري إلى التغيير الحقيقي وتحسين ظروف عيشه بعيداً عن الدعايات الخارجية، كما يسعى هذا الشعب لإقامة نظام سياسي حقيقي منتخب، وتحرير الدولة من استبداد جنرالات العسكر التي تلتهم الأخضر واليابس، ولن تترك الدولة حتى تستنزف كل خيراتها الطبيعية.
وستظل مغربية الصحراء حقيقة تاريخية وسياسية راسخة تؤكدها الوثائق والمواقف الدولية، ويقف المغرب بشعبه وقيادته الرشيدة أمام محاولات التضليل بحزم وثبات. فالتاريخ والجغرافيا والمجتمع الدولي جميعها تقف شاهدة على مغربية الصحراء. إن الوقت قد حان ليكف الإعلام الجزائري عن محاولة تحريف الحقائق وكراء صوته وحلقه لنظام الجنرالات، وأن يعود لرشده ويوظف صوته لخدمة مصالح الشعب الجزائري وقضاياه الأساسية الحقيقية، من قهر وجوع واستبداد وقمع للحريات، وأن يدرك أن الشعب المغربي متمسك بوحدته الوطنية من طنجة إلى الكويرة، ولا يمكن لأي دعاية خارجية أن تؤثر على إيمانه بمغربية صحرائه وحقه المشروع في الحفاظ على سيادته.
0 تعليق