القري يترافع عن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في الصناعة السينمائية - ترند نيوز

0 تعليق ارسل طباعة

قال الناقد السينمائي المغربي إدريس القري إن صناع الأفلام المغاربة يمكنهم الاستفادة من الأدوات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، فهي “مفيدة بشكل خاص في التغلب على بعض الحواجز التقليدية لإنتاج أفلام عالية الجودة، مثل محدودية الميزانيات الخاصة بالمؤثرات الخاصة، والأزياء الصعبة والمكلفة الإنجاز ابتكاراً وتكلفة، وكذلك الأمر بالنسبة لديكورات خاصة، منها مثلا المعقدة وغير المألوفة أو القديمة وغير المتوفرة أو الطلائعية المستقبلية”.

وأبرز القري، في مقال توصلت به جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “أدوات الذكاء الاصطناعي يمكنها أن تساعد هؤلاء الصناع في توفير الوقت والمال، من خلال أتمتة عدة جوانب من عملية صناعة الفيلم”، مقدماً مثال “المساعدة في كتابة السيناريو”، قبل أن يضيف “يمكن للذكاء الاصطناعي، إذا أحسن ودقق وضبط استعماله بذكاء وبوضوح، رؤية اقتراح أفكار أو حوار بناءً على معايير محددة يحددها المخرج”.

نص المقال:

في ظل ضعف البنية التحتية وبرامج التكوين وتعليم صناعة الأفلام، وتحت ضغط قلة دور السينما في المغرب، ومع أخذ مجهودات الدولة المتميزة قاريا في دعم الصناعة السينمائية، ما وضع السينمائي المغربي أمام غزو الذكاء الاصطناعي للحقل السينمائي؟

أصبح الذكاء الاصطناعي AI اليوم عاملا أساسيَّ حضورِ لا غنى عنه في جميع أنماط الإنتاج والصناعات الفنية والثقافية، بعد غزوه الشامل لميادين مدنية وعسكرية من الصناعات المختلفة. تجد صناعة السينما المغربية (التي حققت تقدما ملموسا ومُعترفا به في السنوات الأخيرة، تماشيا مع النهضة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والصناعية الهادئة والذكية التي تشهدها المملكة) نفسها عند مفترق طُرقٍ نعتقد أن هناك ضرورة للانتباه إليه، والعمل على التوعية به وفتح نقاش حوله. لن يتم هذا التفاعل إلا بمواكبة إجراءات وتشريعاتِ تحيينِ معايير العمل المؤطِّر للصناعة السينمائية بالمملكة.

يقدم الذكاء الاصطناعي اليوم في مجال صناعة السينما فرصاً إيجابية غير مسبوقة، كما يضع صناع الأفلام بالمغرب أمام تحديات غير سهلة في آن واحد. فمن جهة لا يمكن إنكار الإمكانات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في مجال صناعة الأفلام، ولكن بالنسبة للمغرب، الذي يعاني بعض الضعف والقلة في البنية التحتية وفي التكوين والتعليم، فإن دمج هذه التكنولوجيا يطرح تساؤلات خاصة من جهة ثانية.

تتعلق الوضعية الخاصة للمملكة بقضايا متعددة تمتد من وجود مؤسسات متخصصة لتعليم الصناعات السينمائية، ومن جودة برامجها إلى قلة دور السينما بشكل كبير. توفر مؤسسات التكوين والتعليم بنياتٍ ذهنية جديدة في فهم السينما ومهارات عملية وقدرات فكرية وتقنيات مكتسبة لقيام صناعة رصينة ومضبوطة للأفلام، في حين تضمن شبكة قاعات متنوعة على امتداد التراب الوطني ترويج الفيلم المغربي، وإنجاز دوره في التربية والتنشئة والتوعية والتثقيف وتعميق الهوية وتربية الذوق العام وحماية وتجديد وتحيين المشاعر الوطنية، كما تضمن الجدوى الاقتصادية واكتمال دورة الإنتاج والربح، وهو ما سيوفر دعم الدولة المالي لنخب القاطرة ولمواهب الشباب الاستثنائية، عوض تشجيع الكسل واستسهال واجترار المألوف.

يتّسِم تأثير الذكاء الاصطناعي على صناع الأفلام المغاربة بالتعقيد والتعددية. ويتناول مقالي هذا الجوانب الإيجابية والسلبية لتوظيف الذكاء الاصطناعي على صناع الأفلام المغاربة، مع الأخذ في الاعتبار سياق البنية التحتية لصناعة السينما، وبرامج التعليم، ومدى الوصول إلى دور السينما في بلادنا.

أ – التأثيرات الإيجابية للذكاء الاصطناعي على صناع الأفلام المغاربة

عديدة هي الجوانب الإيجابية لتأثير الذكاء الاصطناعي على صناع الفيلم المغربي، أهمها:

1- تعزيز صناعة الفيلم والتعبير الإبداعي

تقديم أدوات جديدة لتحسين الإنتاج باستخدام البرمجيات المدعَّمَة بالذكاء الاصطناعي، حيث يمكن للمخرجين، وهو ما يستعملونه بالفعل عن طريق التقنيين تلقائيا منذ مدة غير قصيرة، تجريب مؤثرات بصرية وصوتية، ومونتاج سريع وفعال رغم طابعه الآلي، بطرق كانت في السابق حكرًا على الإنتاجات ذات الميزانيات الكبيرة. تساعد أدوات مثل التعرف على الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي، وبرامج المونتاج المؤتمتة، وبرامج التصوير باستخدام الكمبيوتر CGI – Computer-Generated Imagery – في تجنب مصاريف وأخطار وجهود ووقت إنتاج ثمين إذا كانوا مستوعبين للأهداف وممسكين بالمعاني ومسيطرين على التقنيات ومتمثلين لرسائلهم الجمالية وكيفية إنجازها. قد يكون الذكاء الاصطناعي في هذا السياق عاملا لتحقيق شيء من الإبداع كان في السابق بعيدًا عن متناول سينمائيينا. وفي بلد مثل المغرب حيث يواجه صناع الأفلام الرصينون والجديون والمقتدرون المستقلون العديد من القيود المالية، يُعدُّ الذكاء الاصطناعي وسيلة متيسرة للتغلب على الكثير من صعوبات صناعة الفيلم في مملكة سينمانا التي تتوق للالتحاق بعوالم مملكة السينما.

إن قدرة الذكاء الاصطناعي على المساعدة الفعالة في إنشاء وتعديل الصور السينمائية لوحظت بالفعل في السينما العالمية، والأمريكية أساسا. وغير خافٍ منذ أفلام الخيال العلمي الأولى في ستينيات القرن الماضي استخدام المخرجين لتقنيات التوهيم والتشكيل والتأثير البصري والصوتي، واليوم طبعا استخدام الخوارزميات القائمة على التعلم الآلي لإنشاء مشاهد، ولتصميم مؤثرات خاصة، بل “استحضار” ممثلين رقميين.

بالنسبة لصناع الأفلام المغاربة، يمكن لهذه الأدوات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي أن تكون مفيدة بشكل خاص في التغلب على بعض الحواجز التقليدية لإنتاج أفلام عالية الجودة، مثل محدودية الميزانيات الخاصة بالمؤثرات الخاصة، والأزياء الصعبة والمكلفة الإنجاز ابتكارا وتكلفة، وكذلك الأمر بالنسبة لديكورات خاصة، منها مثلا المعقدة وغير المألوفة أو القديمة وغير المتوفرة أو الطلائعية المستقبلية. كما أن أدوات الذكاء الاصطناعي تسمح بسرعة أكبر في مرحلة ما بعد الإنتاج، مما يقلل الوقت والنفقات اللازمة لإتمام الأفلام (Harrison Rachel, Artificial Intelligence in Cinema: A Technological Revolution
2020).

2- تحسين برامج التكوين والتعليم والتدريب

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقوم بأدوار ودعم فعال وأساسي في تحسين التكوين والتعليم والتدريب لصناع الأفلام في المغرب، مع وجود البنية التحتية المناسبة في كل بنياته، التي لا يتوفر منها لحد اليوم سوى معهد عالٍ عمومي واحد ISMAC لا يزال يتلمس طريقه نحو تكوين براغماتي عملي ومنتج، إلى جانب بضع كليات حيث تنظم “دراسات” ماستر في السينما، منها أساسا:

كلية الآداب بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، كلية الآداب بجامعة القاضي عياض بمراكش ومعاهد خاصة، منها ESAV ,ESRA, ISCA, ISMC, SH…

لا بد هنا من التنويه بما حققته هذه المعاهد، على اختلاف مستوياتها وبرامجها وفعاليتها، وما ساعدت على اكتشافه من طاقات شابة وطنية، بالإضافة إلى الطاقات التي برزت أحيانا من تكوينات قصيرة وشبه شخصية.

يمكن للذكاء الاصطناعي، من جهة أخرى، توفير تعلُّمات متخصصة في مدارس السينما من خلال منصات التعلم عبر الإنترنت، تتكيف مع احتياجات الطلاب المغاربة الفردية حسب ظروفهم وحسب إمكانياتهم. فعلى سبيل المثال يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتقييم نقاط القوة والضعف لدى الطلاب من خلال تقيم مهاراتهم ومعارفهم وثقافتهم العامة واستعداهم النفسي. يمنح استعمال الذكاء الاصطناعي بهذا الشكل للشباب مسارات تعلُّمٍ متخصصة وخصوصية تركز على المجالات التي يحتاجون فيها إلى تحسين قدراتهم وإمكانيات عطائهم. وتلك لعمري من العوامل التي قد تحسِّن جودة التكوين والتعليم السينمائي في المملكة، مما يساعد على تدريب جيل جديد من صناع الأفلام المجهزين بالمهارات والجدية وتقدير الجهد والمسؤولية والحرية اللازمة للنجاح في صناعة سينما وطنية حديثة، تعبر عن محليتها تاريخا وحاضرا قبل محاولة تقليد الأكثر انتشارا أو الناجح لدى الآخر (Kahney Lewis: Cinematic Futures: The Role of AI in Film Production, 2019) .

يمكن لمنصات مدعمة بالذكاء الاصطناعي، بالإضافة لما سبق، توفير الدورات التدريبية عبر الإنترنت أو برامج الإرشاد المدعومة بالذكاء الاصطناعي لطلابٍ، وهم كثيرون في المدن الصغرى والمناطق الفقيرة والبعيدة، لا تتوفر لهم إمكانيات ولوج مدارس السينما. يمكن كذلك لأدوات الذكاء الاصطناعي أن توفر فرصا للتعلم الذاتي تساعد الأفراد على إتقان الجوانب التقنية لصناعة الأفلام، من التصوير السينمائي إلى المونتاج، وتصميم الصوت، وكتابة السيناريو، ولعل منصات التواصل الاجتماعي العادية والمألوفة وغير المتخصصة، منها على سبيل المثال INSTAGRAM ، توفر روابط متعددة لا شك أن الكثير من الشباب يستفيدون من خدماتها بشكل أولي. وقد تفتح ديموقراطية المعرفة بالسينما وصناعاتها عالم صناعة الأفلام أمام مجموعة أكثر تنوعًا من الشباب المغربي، مما قد يساهم، كميا على الأقل، في نمو صناعة السينما المغربية، على أن مسألة إفراز الكيف من الكم مثيرة لنقاش جدي، والمراهنة عليها دون ضبط لآليات إنتاج الكم تظل حساسة راهنية للغاية (سينما المملكة ومملكة السينما، البنيات والأدوار، إدريس القري).

3- زيادة الكفاءة في صناعة الأفلام

يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تساعد صناع الأفلام المغاربة في توفير الوقت والمال، كما سبق الذكر، من خلال أتمتة عدة جوانب من عملية صناعة الفيلم، منها على سبيل المثال المساعدة في كتابة السيناريو. فيمكن للذكاء الاصطناعي، إذا أحسن ودقق وضبط استعماله بذكاء وبوضوح رؤية، اقتراح أفكار أو حوار بناءً على معايير محددة يحددها المخرج. على المخرج في هذه الحالة أن يكون ممسكا بتلابيب موضوعه ورسالته وتصوره الجمالي وطبيعة وخصائص شخصياته، وإلا فلن تنجح المهمة مطلقا.

يمكن للخوارزميات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، من جهة أخرى، أن تحلل سوق الفيلم ومنحى الذوق العام فيها، مما يساعد صناع الأفلام في اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن موضوعات أفلامهم، وأنواعها، واختيار الممثلين الرئيسيين، وكذلك الحبكات وطبيعتها وخصوصياته: ينبغي هنا تمثل الفرق بين فهم السوق والانبطاح لها لأن الأمر يتعلق بحد أدنى من الإبداع ومن رسالة السينما الفكرية والوطنية والجمالية!

تشكل مرحلة ما بعد الإنتاج عمودا فقريا في صناعة الفيلم، فصناع الأفلام في المغرب يواجهون تحديات كبيرة بسبب صعوبات ليس في الوصول إلى المعدات المتطورة لإنجاز عملهم فقط، وفي التكلفة الباهظة لذلك، وضمنها استعمال الذكاء الاصطناعي في صِيَغِهِ الأكثر راهِنية وفعالية، بل يتعلق الأمر في هذه المرحلة أساسا بامتلاك التصور الجمالي، ودقة السيطرة على التفاصيل البصرية والصوتية المعبرة والعالية الدقة والملائمة. من منطلق ما سبق ذكره من صعوبات، يمكن لبرامج المونتاج المدعمة بالذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، أن تقوم بأتمتة عملية التحرير المُمِلّة، ولكن المهمة جدا أيضا، لقطع وتجميع اللقطات. تتيح أتمتة العملية المذكورة في مسلسل المونتاج للمخرجين التركيز على الجوانب الإبداعية لعملهم من سلاسة حكي وتدفق إيقاع ينشدونه وتشويق يسعون إليه وشد انتباه المتفرج، الذي لا نجاح لتسويق الفيلم بدونه. بالإضافة إلى ذلك يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي تحسين مزج الصوت وطوابعه حسب المواقف الدرامية والتأثير المراد والمقصود، وذلك ما قد يُحسِّن جودة المنتج النهائي حتى مع الموارد المحدودة Jones Daniel: The Future of Filmmaking: AI’s Impact on Production and Post-Production 2022).

4- الوصول إلى قنوات التوزيع العالمية

ليس هناك شيء كثير يمكن قوله في هذا السياق، فغياب شبكة قاعات لا تعوضه بشكل كاف منصات المهرجانات السينمائية المغربية ولا القنوات التلفزيونية، التي تعرض بعضا من الأفلام المغربية، ولا منصات متعددة يمر عبرها فيلمنا الوطني، ومنها أساس: مهرجان مراكش الدولي للفيلم، المهرجان الوطني للفيلم، القنوات التلفزيونية المغربية عموما، منصة شاهد، منصة نتفلكس، منصة CineMaroc، منصة Artify، منصة MUBI، منصة Amazon Prime Video..، مع تسجيل صعوبة ومحدودية التعامل مع المنصات الدولية وشروطها ومعاييرها.

نفكر في هذا السياق في ضرورة إنشاء منصة وطنية لعرض الفيلم المغربي بصيغة منافسة وبجودة وقوة تقنية ملائمة على المستويين العربي والدولي، تفتح أُفقا قويا لإشعاع السينما المغربية وتبرز طاقاتها. ويظل أفضل الحلول توفير شبكة عروض للأفلام المغربية على امتداد التراب الوطني استراتيجيا.

ب – التأثيرات السلبية للذكاء الاصطناعي على صناع الأفلام المغاربة

1- تهديد الوظائف التقليدية في صناعة السينما

في الوقت الذي يقدم الذكاء الاصطناعي فرصًا لتعزيز الإبداع والكفاءة، فإن له سلبيات متعددة، لكنها غير قوية في نظرنا بالنظر إلى الوضع الحالي للصناعة السينمائية في بلادنا. من أهم هذه السلبيات نذكر:

– تقليص الحاجة إلى العمال المهنيين في المجالات التقنية مثل المونتاج، وتصميم الصوت، والمؤثرات البصرية، حيث يمكن للبرمجيات المدعمة بالذكاء الاصطناعي أتمتة تصحيح الألوان ومزامنة الصوتsynchronisation ، وهو ما يمكن أن ينتج فقدان الوظائف.

– تقليص دور الكُتاب ومؤلفي السيناريو، ولن يحد من ذلك سوى عجز الذكاء الاصطناعي عن توفير اللمسة البشرية اللازمة لكتابة قصص مؤثرة وجدانيا. ستكون أغلب الأفلام عندها تحت خطر النمطية التي يختفي معها الإبداع والأصالة.

2 – الفجوات في البنية التحتية وعدم التكافؤ

الواقع أن البنية التحتية لصناعة السينما في المغرب لا تزال غير جاهزة للاستفادة الكاملة من الإمكانيات الهائلة والمذهلة للصناعة السينمائية المغربية. تتطلب البرمجيات المدعمة بالذكاء الاصطناعي في الغالب أجهزة متطورة واتصالًا قوي الصبيب ومستمر الارتباط بشبكة بالإنترنت، وهو ما قد يكون بعيدًا عن متناول العديد من صناع الأفلام المغاربة.

علاوة على ذلك لا يزال العديد من صناع الأفلام في المغرب- مثل الكثير من قطاعات التعليم والبحث العلمي والإبداع والتدبير الإداري أيضا- يعتمدون على الطرق التقليدية في الإنتاج، وقد لا يمتلكون المهارات ولا التدريب أو الموارد لاعتماد أدوات مدعمة بالذكاء الاصطناعي. في هذا السياق قد يزيد الذكاء الاصطناعي من الفجوات القائمة في صناعة السينما، مما يؤدي إلى استمرار قلة التوازن بين صناع الأفلام الكبار والناشئين أو العكس ولربما هو الأصح بالمغرب.

3- خطر الضعف والسطحية في التعامل مع الهوية الثقافية

مع تزايد انتشار الذكاء الاصطناعي في السينما العالمية، ناهيك عن هيمنة العولمة والاستلاب alienation اللغوي والفكري، والفهم التبسيطي للفن وللإبداع، واستسهال معايير النجاح، لا يسعنا إلا معاودة التعبير عن تخوفاتنا من شعور صناع الأفلام المغاربة، خاصة الشباب منهم، بعد حصول ذلك مع بعض القدامى، بضرورة الامتثال للتقليعات الدولية ولاتجاهات الجماهير في مملكة السينما العالمية. يكمن التخوف في التبني الآلي لتفضيلات منصات الذكاء الاصطناعي، التي تعتمد في قراراتها على البيانات الضخمة التي تطعمها وتحمل ميولا محددة ومنطلقات ذوقية وثقافية معينة، تفضل الأفلام التي تتماشى مع الذوق العالمي على حساب القصص المحلية والخصوصيات الثقافية. قد يؤدي هذا الأمر إلى تسطيح هوية السينما المغربية المتميزة، حيث قد يُفضل المخرجون إرضاء الجماهير العالمية على حساب الروابط والمضامين والأصالة المحلية بكل غناها وفي جذورها المركبة التي لا تختصر في كمشة من المظاهر الفلكلورية: (Valles, Jorge
Title: AI, Global Cinema, and Cultural Identity, 2021).

خاتمة

السينما أكثر من مجرد ترفيه. إنها قوة أساسية في تشكيل الثقافة والتأثير على الخطاب السياسي وخلق شعور مشترك بالهوية لدى المواطنين وبين الأجيال، والسيطرة وتوجيه وتأطير صورة الدولة والمجتمع معا، في الداخل وفي الخارج، فللسينما القدرة على عرض الروايات الفردية والجماعية، وفي هذه المهارة السينمائية تلتقي الرغبات الفردية مع التوترات المجتمعية، ومع الصراعات السياسية.

ألصق المخرج الإيطالي والعالمي الكبير فيديريكو فيليني السينما بالمسؤولية الاجتماعية، كما نعتها بكونها “مرآة للمجتمع”، وبأنها انعكاس لتعقيدات وعثرات العالم. كان فيليني يعتقد أن السينما تتجاوز مجرد التمثيل، وغالبًا ما تتحدى المشاهد لمواجهة الحقائق غير المريحة. إن السينما لدى فيليني “هي أجمل خدعة في العالم” (فيديريكو فيليني: حياته وعمله، 1987). لكن الواقع أن السينما حقيقية التأثير في الوعي الفردي والجماعي بشكل عميق، وإذا لم تكن لديك سينما وطنية قوية تتصل بالشعب وبكل أجياله في عصر الصورة والذكاء الاصطناعي، فإن السينمات الأخرى، سينمات الأقوياء، ستسلُب مشاهديك وعيهم بهويتهم وتقربهم أكثر من ثقافات ليست لهم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق