‪تداعيات فوز ترامب على سلوك إيران .. مواقف متباينة وتأثيرات محتملة‬ - ترند نيوز

0 تعليق ارسل طباعة

يرى شريف هريدي، باحث متخصص في الشأن الإيراني، أنه رغم محاولات إيران التظاهر بعدم التأثر بفوز دونالد ترامب إلا أن هناك مؤشرات تدل على تغيّر في السياسة الإيرانية تجاه الولايات المتحدة، من خلال دعوات للتفاوض وتحسين العلاقات، مشيرا إلى وجود مخاوف إيرانية من تصعيد الضغوط والعزلة الدولية، خاصة مع وجود شخصيات صقورية في الإدارة الأمريكية المقبلة.

وأضاف هريدي ضمن مقال معنون بـ”كيف يتأثر سلوك إيران بفوز ترامب بالرئاسة الأمريكية؟”، منشور من قبل مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أن الفوز المفاجئ لترامب أعاد فتح النقاشات الداخلية في إيران حول سبل التعامل مع الولايات المتحدة، وسط تباين المواقف بين الأوساط الإصلاحية والأصولية.

ورجح الباحث عينه أن يسفر فوز ترامب بولاية رئاسة جديدة عن عدد من التداعيات المُرتبطة بسلوك إيران، لخصها في إرجاء الرد على إسرائيل والمناورة بالورقة النووية والضغط على الوكلاء لقبول التهدئة وغيرها.

نص المقال:

تحت عنوان “بازگشت به صحنه جرم” (الذي يعني بالعربية “العودة إلى مسرح الجريمة”)، وتصدر الصفحة الأولى من صحيفة جوان الإيرانية، علّقت الصحيفة التابعة للحرس الثوري على فوز المرشح الجمهوري والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية، التي جرت في 6 نوفمبر 2024، وهو الفوز الذي أثار قلقاً وترقباً في الداخل الإيراني، رغم ادّعاء بعض الأوساط أنه “غير مُؤثر”.

وتأتي الولاية الرئاسية الثانية المُرتقبة لترامب في سياق داخلي وإقليمي ودولي مُغاير بالنسبة لإيران عمّا كانت عليه الأوضاع خلال ولاية ترامب الرئاسية الأولى (2017-2021). وبقدر ما تصعّب العوامل الحالية فرص التهدئة بين الجانبين، أي استمرار الصراع (حلبة المُلاكمة بحسب الأدبيات الفارسية)، إلّا أنها تفتح المجال أمام احتمال عقد صفقة كبرى تشمل مُختلف الملفات الخلافية بينهما (لعبة الشطرنج)، وإن كان ذلك يظل مرهوناً بالأوضاع التي مازالت ساخنة في المنطقة.

مواقف مُتباينة

أثار فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية ردود فعل مُتباينة في الداخل الإيراني، وهو ما يمكن تسليط الضوء عليه على النحو التالي:

1. التظاهر بعدم التأثر: في أول رد فعل إيراني على فوز ترامب علّقت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني بأن “معيشة الإيرانيين لا تتأثر بنتائج الانتخابات الأمريكية”، مُضيفة: “سياساتنا ثابتة ولا تتغير بناءً على أفراد”. يضاف إلى ذلك أن الظهور الأول للمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، يوم 7 نوفمبر 2024، في اللقاء الذي جمعه بأعضاء مجلس خبراء القيادة، تجنب التعليق على الانتخابات الأمريكية وفوز ترامب، في تصرف لا يخلو من دلالة؛ خاصة إذا ما قُورن بالتصريحات السابقة شديدة اللهجة لخامنئي ضد ترامب، التي وصلت إلى حد التهديد المُباشر باغتياله، ثأراً لاغتيال قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، مطلع يناير 2020.

وتسعى طهران جراء هذا الموقف إلى تجنب نثر مزيد من الأشواك في العلاقة مع واشنطن، قبيل الولاية الرئاسية المُرتقبة للرئيس الأمريكي المُنتخب دونالد ترامب، وحتى لا يكون فوز ترامب بالانتخابات مدعاة لاتخاذ نهج أكثر تشدداً تجاه إيران، خاصة في ضوء ما تتكشف عنه التعيينات والترشيحات الأولية في الإدارة الأمريكية الجديدة، من شخصيات ينظر إليهم في طهران بأنهم “صقور ومجانين”، ومنهم ماركو روبيو، الذي تم اختياره لتولي منصب وزير الخارجية، وكذلك براين هوك، المرشح ليكون المبعوث الأمريكي لشؤون إيران، وهما من الشخصيات المعروف عنها تبنيها مواقف متشددة تجاه إيران.

2. إرسال إشارات للتهدئة: في مفارقة مع ما كان يحدث في السابق أقرّ المسؤولون الإيرانيون بأن انتخاب ترامب هو اختيار الشعب الأمريكي من خلال وسائل ديمقراطية تعكس الإرادة الشعبية للأمريكيين، وهو ما عبّر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي؛ ما يتناقض مع المواقف الإيرانية السابقة تجاه الانتخابات الأمريكية، التي وصفها خامنئي بأنها “الأكثر تزويراً في العالم”، عند تعليقه على نتائج انتخابات 2020، التي أسفرت عن فوز الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن.

واتصالاً بما سبق فقد أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في تعقيبه على فوز ترامب، أنه “لا مفر من التعامل بصبر مع الولايات المتحدة”. كما اعتبر مساعد الرئيس الإيراني جواد ظريف فوز ترامب “فرصة” لمراجعة واشنطن سياساتها تجاه طهران، داعياً ترامب إلى تغيير سياسة الضغوط القصوى، التي اتبعها مع إيران خلال فترة رئاسته الأولى، وقال إنها لم تفض إلا إلى تصعيد كبير في برنامج إيران النووي. كما كرّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقچی المعنى ذاته في أكثر من مرة.

وتعكس تلك الرسائل من جانب إيران المنحى الذي تصبو حكومة بزشكيان إلى انتهاجه إزاء الولايات المتحدة، ويستند إلى “إدارة الخلافات” مع واشنطن، ومحاولة التفاهم معها حول الملفات الخلافية، بُغية رفع نير العقوبات، الذي أعلن بزشكيان، ومنذ حملته الانتخابية، أنه أولويته الأولى.

3. نفي التورط في مُحاولات اغتيال ترامب: جدّد المسؤولون الإيرانيون نفي صلة بلادهم بأي محاولة للتخطيط لاغتيال دونالد ترامب، إذ وصف عراقچی تلك التُّهم بأنها “كوميديا من الدرجة الثالثة”، كما علّق مُتحدث الخارجية عليها بأنها “محاولة لزرع الألغام في العلاقات بين طهران وواشنطن”. وقد جاءت تلك التصريحات تعليقاً على حكم محكمة فدرالية في مانهاتن، يوم 8 نوفمبر 2024، باتهام مسؤول في الحرس الثوري الإيراني على علاقة بوسيط للتخطيط لاغتيال ترامب، سواء قبل الانتخابات أو بعدها؛ وهو ما يرتبط بإحباط الشرطة الأمريكية مُحاولات سابقة كانت مُحتملة لاغتيال ترامب، كان آخرها في 14 أكتوبر 2024.

ولا ينفصل ذلك عن محاولات طهران تخفيف التوتر الذي قد تشهده الولاية الرئاسية المُرتقبة للرئيس الأمريكي المُنتخب ترامب، الذي تؤثر فيه تلك المحاولات، بالإضافة إلى ما تمت الإشارة إليه بشأن محاولات سيبرانية يقف وراءها إيرانيون للتأثير في نتائج الانتخابات الأمريكية. وكل ما سبق سيؤثر في النهج الذي سيتبعه ترامب إزاء طهران؛ خاصة أن الأخير معروف عنه تأثره بمسائل الثأر الشخصي.

4. إبداء الاستعداد للمواجهة العسكرية: تتحسب بعض الأوساط الإيرانية من أن يُضاعف قدوم ترامب الضغوط عليها، ويؤدي إلى مزيد من عزلتها، وربما يصل الأمر إلى توجيه ضربات عسكرية مباشرة لها سواء من خلال الولايات المتحدة نفسها أو من خلال إطلاق يد إسرائيل للقيام بهذه المهمة.

ومن ذلك تصريح نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، علي فدوي، يوم 6 نوفمبر 2024، بأنه لا يستبعد أي هجوم استباقي أمريكي وإسرائيلي لردع إيران عن القيام بالرد على الهجوم الإسرائيلي الأخير ضدها، في 26 أكتوبر 2024. كما طالب رئيس استخبارات الحرس الثوري السابق، حسين طائب بالاستمرار في التصعيد العسكري مع إسرائيل حتى النهاية؛ لإبراز قوة إيران وقدراتها على المواجهة ضد من وصفها بـ”القوى المعادية”.

ولا ينفصل عن هذا السياق ما تمت الإشارة إليه من إطلاق طهران صاروخ “خرمشهر 4″، البالستي يوم 10 نوفمبر 2024، من قاعدة شاهرود الصاروخية في محافظة سمنان الإيرانية، وهي القاعدة التي ذكرت بعض المصادر الإسرائيلية أنه تم استهدافها في الهجوم الإسرائيلي الأخير ضد إيران، في رسالة تحدٍّ من جانب طهران بأن برنامجها الصاروخي لم يتعطّل جراء الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، مثلما أشاعت بعض المصادر، وأنها ماضية في تطوير صواريخ متقدمة، خاصة أن هذه الأخيرة استخدمتها طهران في الهجوميْن اللذيْن شنّتهما على إسرائيل، في أبريل وأكتوبر الماضييْن.

تأثيرات مُحتملة

من المُرجح أن يسفر فوز ترامب بولاية رئاسة جديدة عن عدد من التداعيات المُرتبطة بسلوك إيران، يمكن إجمال أبرزها على النحو التالي:

1. إرجاء الرد على إسرائيل: قبيل الإعلان عن نتائج الانتخابات الأمريكية تعالت الأصوات الإيرانية المطالبة بضرورة الرد على إسرائيل، جراء الهجمات التي شنّتها الأخيرة على أهداف داخل إيران، في 26 أكتوبر 2024، وشملت، وفق مصادر أمريكية وإسرائيلية، أنظمة دفاع جوي ومواقع لتصنيع مكونات مهمة للصواريخ البالستية، ومركزاً للأبحاث النووية، للحد الذي بلغ توجيه المرشد خامنئي للمسؤولين الإيرانيين بإعداد رد على الهجمات الإسرائيلية، رغم إحجامه عن ذلك في بداية وقوع الهجمات، في ما يؤشر على تكشّف طهران حجم الأضرار التي أسفرت عنها الضربات الإسرائيلية، ولم تكن واضحة في البداية.

إلا أن هذه المطالب خفَتَتْ في الأيام التي تلت الإعلان عن فوز ترامب، لأسباب تتعلق بمخاوف طهران من أن ردها المُحتمل على إسرائيل من شأنه أن يشكّل مُبرراً قوياً لإدارة ترامب المُرتقبة في إطلاق يد إسرائيل، التي ستوظّف هذا الرد المُحتمل لصالحها في استهداف ما اعتبرتها إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن “خطوط حمراء”، وتحديداً المنشآت النووية والنفطية لإيران.

وذهبت بعض التقييمات إلى اعتبار الإفادة التي قدمها قادة الدفاع الجوي في الجيش الإيراني، أمام لجنة الأمن القومي بمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني)، في 11 نوفمبر 2024، وأكّدوا فيها أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران “لم يحقق أهدافه”، بمثابة رسالة قد تتحلل بموجبها طهران من الالتزام بالرد “الحتمي” على إسرائيل.

ولا يعني ذلك أن إيران قد تتخلى عن ردها على إسرائيل، خاصة في ظل الأسباب ذات الوجاهة التي قد تدفعها للرد، ومنها ضبط معادلة الردع مع إسرائيل لرفع كُلفة أي هجوم مستقبلي ضد إيران، بالإضافة إلى كون الهجمات الإسرائيلية استهدفت مواقع في طهران، وهي المرة الأولى التي تُستهدف فيها العاصمة منذ حرب الثماني سنوات مع العراق؛ إلى جانب مقتل 4 من العسكريين ومدني واحد جراءها. إلا أن فوز ترامب سوف يجعل إيران تدرس هذا الرد بتأنٍ وبشكل عقلاني؛ وهو ما قد يؤدي إلى ترشيد الرد وجعله في حده الأدنى، أو حتى توظيفه في المساومة مع الولايات المتحدة في ملفات أخرى نووية وإقليمية.

2. المُناورة بالورقة النووية: تلقي عودة ترامب إلى البيت الأبيض بظلالها الكثيفة على برنامج إيران النووي؛ فمن جهة تتحسب طهران لأن تقوم الإدارة الأمريكية المُقبلة بما من شأنه مُساعدة إسرائيل في استهداف البرنامج النووي الإيراني، بعد أن جعلته الأخيرة خياراً مطروحاً بعد الهجمات المتبادلة بينها وبين إيران، خلال شهري إبريل وأكتوبر 2024، فضلاً عن كونه خياراً لا يتم إلا بدعم واضح من جانب الولايات المتحدة على المستوييْن التقني والعسكري والسياسي. وقد تجلى موقف ترامب من تلك المسألة عندما صرّح تعقيباً على الهجمات الإسرائيلية ضد إيران، في 26 أكتوبر الماضي بـ”اضربوا النووي أولاً، واهتموا بالباقي لاحقاً”.

ومن جهة أخرى تسعى طهران إلى توظيف تسامح ترامب مع إمكانية عقد اتفاق مع إيران، وهو ما عبّر عنه في أكثر من مرة، على أن يكون بشروط أمريكية، تشمل عدم السماح لإيران بالوصول إلى السلاح النووي، وربما تضم شروطاً أخرى تتعلق ببرنامجها الصاروخي أو دورها الإقليمي.

ورغم التصريحات الإيرانية التي سبقت الانتخابات الأمريكية بشأن إمكانية تغيير “العقيدة النووية” بالاتجاه نحو امتلاك سلاح نووي، بعد تعطيل فتوى خامنئي بتحريمه، فقد أبدت طهران مرونة إزاء الرقابة الدولية على برنامجها النووي، بدعوة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائيل غروسي إلى زيارة طهران في 12 نوفمبر 2024، وهي زيارة مُؤجّلة منذ أشهر، كما أنها تأتي في وقت وصل برنامج إيران النووي إلى مستويات متقدمة؛ إذ أشار التقرير الأخير للوكالة، الصادر في أغسطس 2024، إلى أن طهران لا ينقصها إلا كيلوغراميْن فقط لصنع 4 قنابل نووية، في حال اتخذت قراراً بذلك.

وتمنح الزيارة طهران بعض الوقت للمُناورة بورقتها النووية، والادّعاء أنها لا تمانع من التوصل لتفاهمات مع الوكالة بشأن القضايا العالقة بين الطرفين، على غرار ما حدث في مارس 2023، عندما توصلت إلى اتفاق جزئي معها، تفادياً لتوقيع مزيد من الضغوط عليها. ويُعزز ذلك أيضاً أن الاتفاق النووي اقترب ممّا يُسمّى “يوم النهاية” في 18 أكتوبر 2025، وهو ما يحتّم على إيران اللجوء إلى عقد اتفاق جديد وإلا تعرضت لإعادة فرض العقوبات الأممية عليها، إذا ما لجأ الأوروبيون إلى تفعيل “آلية الزناد”، أو حتى استهداف برنامجها عسكرياً، وهو ما حذّر منه عراقچی في تصريحاته يوم 14 نوفمبر 2024، مبدياً استعداد بلاده للتفاوض على أساس “المصلحة الوطنية” و”بلا ضغط أو ترهيب”.

3. الضغط على الوكلاء للقبول بالتهدئة: تدرك طهران أن أحد الأهداف الرئيسية لسياسة ترامب خلال رئاسته السابقة هو تقليم النفوذ الإيراني في المنطقة، إلا أن التطورات الأخيرة التي أعقبت عملية “طوفان الأقصى”، في 7 أكتوبر 2023، قد تُكسب هذا النهج زخماً واضحاً خلال فترة رئاسته المُقبلة. وقد صرّح ترامب، في أحد لقاءاته، بأنه سوف ينهي حرب أوكرانيا في 24 ساعة، في حين أنه صرّح بأنه سوف يحثّ إسرائيل على وقف الحرب في غزة ولبنان؛ ما يعني أن الأمر سيظل متروكاً لإسرائيل لتقدير الموقف، وبما يضمن أمنها، وبدعم لا محدود من الإدارة الأمريكية المُرتقبة.

وعليه فمن المُرجّح أن تلجأ إيران إلى الضغط على حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية للقبول بالتهدئة ووقف إطلاق النار، وذلك تفادياً للحيلولة دون فقدان ما تبقى من قدراتهما بالكلية، نتيجة الضربات الموجعة التي سدّدتها إسرائيل لهما خلال الفترة الأخيرة. وقد أبدت طهران تجاوباً حيال ذلك، وهو ما تجلى في تصريحات الرئيس الإيراني الذي قال إن “وقف إطلاق النار قد يؤثر في ردنا على الهجوم الإسرائيلي”؛ أي إن طهران مستعدة للتخلي جزئياً عن ردها على إسرائيل إذا ما كانت هناك فرصة لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان، كما أبدت مرونة تجاه تطبيق القرار 1701 لوقف الحرب في لبنان.

وتأتي في هذا السياق زيارة مُستشار المرشد الإيراني علي لاريجاني إلى لبنان، وهي الزيارة التي تزامنت مع الإشارة إلى موافقة مبدئية لحزب الله اللبناني على المقترح الأمريكي الذي يقضي بوقف إطلاق النار في لبنان.

4. استكمال الانفتاح على دول المنطقة: كان لافتاً تعليق بزشكيان على فوز ترامب بأن هذا الفوز لا يمثل شيئاً بالنسبة لبلاده، وأن الأولوية هي لتعزيز العلاقات مع “جيراننا والدول الإسلامية”؛ وهو ما يعني أن طهران ماضية في تحسين العلاقات مع دول المنطقة، وهو المسار الذي بدأته الحكومة الإيرانية السابقة برئاسة إبراهيم رئيسي، بتوقيعها اتفاق عودة العلاقات مع الجانب السعودي، في 10 مارس 2023، الذي أعقبه توقيع اتفاقات وتفاهمات وجهود للمصالحة مع دول المنطقة.

وتأتي في هذا السياق مُشاركة النائب الأول للرئيس الإيراني محمد نصر عارف في القمة العربية الإسلامية في العاصمة السعودية الرياض، في 11 نوفمبر 2024، ولقاؤه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتأكيد المضي قدماً في تحسين العلاقات بين الجانبين. كما يتنامى التعاون العسكري بين البلدين، الذي تجلى في زيارة الفريق الأول الركن فياض الرويلي، رئيس هيئة الأركان العامة السعودية، في 10 نوفمبر 2024، إلى طهران، ولقائه نظيره الإيراني اللواء محمد باقري، لبحث تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في المجالين العسكري والدفاعي، التي جاءت بعد أيام من عقد الجانبين، بمشاركة دول أخرى، مناورات عسكرية في بحر العرب؛ لتؤكد عزم طهران تعميق التعاون مع دول المنطقة، خاصة إذا ما وضع في الاعتبار الجهود والمساعي الأخرى التي تبذلها إيران لاستئناف العلاقات مع دول المنطقة.

وتهدف طهران من ذلك التوجه إلى تحقيق هدفيْن: الأول هو مُحاولة تخفيف الحصار السياسي والاقتصادي المفروض عليها بسبب العقوبات من ناحية، والثاني هو تفويت الفرصة على الولايات المتحدة وإسرائيل في استثمار الخلافات بين إيران ودول جوارها في فرض مزيد من الضغوط على طهران.

5. التنافس بين الأصوليين والإصلاحيين: أثار فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية التنافس بين التياريْن الأصولي والإصلاحي في إيران، ففي حين أبدت بعض التيارات الإصلاحية والمعتدلة تفاؤلاً بفوز ترامب واعتبرته “فرصة”، مثلما صرّح بذلك القيادي الإصلاحي والوزير السابق في عهد حكومة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، محمد علي أبطحي. وحذّرت بعض تلك التيارات من عدم استغلال تلك الفرصة والتعامل معها؛ وهو ما عبّرت عنه أيضاً صحيفة “ستاره صبح” الإيرانية، التي عنونت صفحتها الأولى “اقبلوا الواقع.. لقد جاء ترامب”، ودعت صُناع القرار في طهران إلى ضرورة بعث رسالة عاجلة للولايات المتحدة الأمريكية لطمأنتها بأن إيران لا تسعى إلى امتلاك قنبلة نووية، وأنها ترغب في تحسين العلاقات مع واشنطن؛ فإن أوساطاً أصولية انتقدت ذلك الموقف بشدة، وعبّرت عن ذلك صحيفة “كيهان”، المقربة من المرشد الإيراني، علي خامنئي، التي انتقدت من سمتهم “أدعياء الإصلاح”، الذين يقومون بحملة تخويف وترهيب للإيرانيين، بعد الإعلان عن فوز ترامب. كما علّق بعض المحافظين على فوز ترامب بـ”الموت لترامب”، ومنهم النائب الذي ينتمي لجبهة الصمود “جبهه پایداری” مالك شريعتي، فضلاً عن تأكيد البعض الآخر منهم عدم تأثر مصالح إيران بمن هو في السلطة في الولايات المتحدة.

ويُعيد هذا التنافس إلى الأذهان ما كان سائداً قبل توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1)، عام 2015، بين الإصلاحيين والمعتدلين الذين كان يعبّر عنهم الرئيس الأسبق حسن روحاني، ووزير خارجيته جواد ظريف، والراغبين في توقيع الاتفاق والانفتاح على الغرب، وبين قطاع آخر من المحافظين الرافضين لهذا الاتجاه، وقد وجدوا في انسحاب ترامب، عام 2018، من الاتفاق النووي ضالتهم؛ إذ شنّوا هجوماً لاذعاً على الإصلاحيين والمعتدلين، وحوّلوا انتصار المعتدلين الأكبر (توقيع الاتفاق النووي) إلى هزيمة كبرى تجلت في ما بعد في الانتخابات البرلمانية (2020) والرئاسية (2021)، وفاز فيها الأصوليون المتشددون، وتراجع فيها المعتدلون والإصلاحيون إلى أن جاء فوز بزشكيان.

في الختام يمكن القول إن الفترة القادمة ستكون حاسمة بالنسبة لإيران لترقب تشكيل الإدارة الجديدة للرئيس الأمريكي المُنتخب ترامب، واستشراف مدى اختلاف توجهاتها عن توجهات الإدارة السابقة لها، ورغم وجود عدد من المؤشرات التي ترجح إمكانية التفاهم بين البلدين، منها وجود حكومة إصلاحية في إيران مُتطلعة للانفتاح على واشنطن، فضلاً عن تأكيدات ترامب أنه لا ينتوي مُهاجمة إيران أو تغيير نظامها، بل يريد منعها من الوصول للسلاح النووي وضبط سلوكها الإقليمي، وهو ما قد يحدث في إطار صفقة تشمل هذه الملفات؛ فإن استمرار تصاعد حدّة التوتر في المنطقة على وقع الصراع في غزة ولبنان يجعل من الحديث عن تفاهم أمريكي إيراني صعب المنال على الأقل في المدى المنظور، وقد لا يمنع ذلك من استعادة المباحثات غير المباشرة التي كانت تجري بين الطرفين خلال الفترة السابقة، وتوقفت مؤخراً، وهو أمر لا ترفضه عقلية “رجل الأعمال” الأمريكي التي يمثلها ترامب، ولا عقلية “تاجر البازار” الإيراني الذي تفاوض حتى مع العراقيين إبان حرب الثماني سنوات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق