لا تزال المحتويات التي تُنشر على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب تثير الكثير من التساؤلات بخصوص مضامينها والتي يمكن أن تكون “خادشة للحياء العام” أو “ماسّة بالآداب العامة “، بما يُبرز بين الفينة والأخرى أولويات جرّ الواقفين وراء بثّ هذه المحتويات إلى القضاء بغرض الزجر.
وعرف المغرب نقاشا موسّعا بهذا الخصوص منذ سنوات، موازاة مع ظهور محتويات منزليةٍ رقمية يُطلق عليها “روتيني اليومي”، قبل أن تتمدّد وتتخذ أشكالا أخرى، كثيرا ما تتضمن السّب والشتم والتلفظُ بالنّابي من الكلام، وهو ما يكون متاحا لملايين المشاهدين، بمن فيهم القاصرون.
وجرى مساء الثلاثاء الحكم ضد أحد هؤلاء منشئي المحتويات الرقمية (إ.ا) بأربعة أشهر حبسا نافذا بتهمة “الإخلال بالحياء العام” والذي ينص عليه الفصل 483 من القانون الجنائي، إذ يؤكد هذا الفصل أنه ” من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء؛ وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم. ويعتبر الإخلال علنيا متى كان الفعل الذي كونه قد ارتكب بمحضر شخص أو أكثر شاهدوا ذلك عفوا أو بمحضر قاصر دون الثامنة عشرة من عمره، أو في مكان قد تتطلع إليه أنظار العموم”.
ويبدو في هذا الصدد أن الطريقة التي يجب التعامل بها مع المحتويات التي تطابق في شكلها وجوهرها ما ينص عليه هذا النص القانوني تعرف نوعا من التباين، إذ يتبنى طرف فكرة “ضرورة تكييف هذه الأفعال مع نص القانون وعدم التسامح فيها، خصوصا أنها تحقق شرط العلانية، ومن شأنها ذلك أن يحد منها”؛ في حين أن طرفا آخر يؤكد أن الأمر “يرتبط أساسا بالتربية ومدى الإلمام باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بمعنى أن تطبيق القانون لوحده لن يكون ذا فعالية”.
في هذا الصدد، أكد سعيد معاش، محام بهيئة المحامين بالدار البيضاء، أن القانون المغربي يعاقب على الإخلال العلني بالحياء، خصوصا في الفصل 483 من القانون الجنائي الذي يشير إلى أنه “يعاقب من ارتكب الإخلال العلني بالحياء بالعري المتعمد والبذاءة في الإشارات أو الأفعال يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من 120 درهما إلى 500 درهم”.
وأضاف معاش، في تصريح لهسبريس، أن “أهم الأركان هو الفعل في حد ذاته، ثم العلانية، حيث إن الإخلالَ العلني بالحياء يتحقق إذا حضر الفعلَ شخصٌ أو أكثر وكان من الممكن أن يره الكل”، متابعا: “من النظرة الواقعية لم يعد هناك حديث عن واقع افتراضي، بعدما انطبق على العالم الواقعي، بحيث أصبحت كل جنحة أو جريمة أو مخالفة ارتكبت في العالم الافتراضي، بما فيها الإخلال العلني بالحياء أو التهديد أو النصب، كأنها ارتكبت في العالم الواقعي”.
وسجّل المتحدث “وجود تساؤلات في هذا الصدد تتعلق بمثل هذه المسائل، حيث غالبا ما تقوم النيابة العامة، كممثلة للمجتمع، بتحريك الدعوى العمومية والسهر على حسن تطبيق القانون والذود عن سيادته في إطار احترام مبادئ حقوق الإنسان والحريات الأساسية”، موردا أن “أي متضرر يمكنه اللجوء إلى القضاء عن طريق شكاية”.
كما اعتبر أن “كل هذه المسار من شأنه الحد من مثل هذه الممارسات، موازاة مع الحديث المتواصل عن التفاهة والإخلال العلني بالحياء العام على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي؛ غير أن العمل في هذا الصدد يبقى مسؤولية مشتركة”، لافتا إلى أن “المعركة يجب أن تنطلق من الوعي ثم الزجر”.
من جهته، قال محمد العوني، رئيس منظمة حريات للإعلام والتعبير (حاتم)، إن “الجانب القانوني يجب أن يكون حاضرا في معالجة مثل هذه الأمور؛ لكن شريطة ألا يكون عنصرا أساسيا”، مبرزا: “نحن نعتبر بأنه من المفيد أن تكون هناك استراتيجية في التعامل مع التواصل الرقمي في اتجاه تغليب الحرية والاستعمال المفيد وتشجيع صناع المحتوى الجدّيين”.
وأفاد العوني، في تصريحه لهسبريس، بأن “الآداب العامة مسألة متحركة في الزمان والمكان، إذ إن مفاهيمنا بالمغرب مثلا مختلفة عن المفاهيم لدى الأوروبيين وبقية العالم؛ فمسألة الإخلال العلني بالحياء العام ترتبط بمفهوم التربية كذلك”.
وتابع رئيس منظمة “حاتم”: “معالجة مثل هذه الأمور يجب أن تتم في إطار العلاقة بين الحرية الفردية والحقوق الجماعية، بغرض إيجاد نوع من التوازن”.
وسجّل الفاعل المدني ذاته “غياب تربية على التواصل الرقمي وغياب استراتيجية في الإعلام والتواصل كذلك، فضلا عن مسألة أخرى تتعلق بإشكالية عدم إيلاء ثقافتنا مع القانون، حيث يجب أن يكون القانون عاكسا لتطور المجتمع في نهاية المطاف”.
وأضاف المتحدث سالف الذكر: “دائما ما لا يكفي أن نمنع أفرادا بعينهم، حيث إن مسألة “روتيني اليومي” على سبيل المثال عرفت نقاشا عموميا مستفيضا بالمغرب، وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يزال ممتدا”.
0 تعليق