اللواء رأفت الشرقاوي يكتب: رسائل هامة للمجتمع والأسرة في مواجهة التحديات - ترند نيوز

0 تعليق ارسل طباعة

اللواء رأفت الشرقاوي مساعد وزير الداخلية

كتب : اللواء رأفت الشرقاوي

 "محمود" - فارس نوبي جميل من الفرسان المصريين التي لا تنضب من كنانة الله في الأرض مصرنا الحبيبة أصبح حديث وسائل الإعلام والصحافة في الأرجنتين. "محمود" عنده 11 سنة، وبيدرس في خامسة ابتدائي، ومع الدراسة بينزل يشتغل عشان يساهم في مصاريف البيت وبيبيع حظاظات ومشغولات نوبية يدوية بسيطة للسياح.

4 حظاظات بـ 5 دولارات

وهو بيبيع لسائحة أرجنتينية اسمها "ماريا" حظاظات قررت تشتري منه الـ 4 حظاظات بـ 5 دولارات. 

الولد قال لها تمام ووافق. أدت له ورقة الفلوس اللي كانت ورقة بـ 20 دولارًا مش بـ 5 دولارات.هو خد الورقة وبدون ما يبص فيها حطها في جيبه.

 لما مشيت، بص في جيبه فلقاها ورقة بـ 20 دولارًا! كان هيتجنن وجري وراها، وطبعًا كانت تاهت وسط مئات السياح، منهم من ركب مركب، ومنهم من دخل المعبد، ومنهم من رجع الفندق! لكن "محمود" فضل يدور عليها لحد ما نفسه اتقطع، وفين وفين عقبال ما لقاها! استغربت، هو عايز منها إيه؟ فطلع الورقة أم 20 دولارًا وأدهالها!

ممكن حد يقول: طب وإيه يعني؟ ما هو المبلغ الفرق اللي هو 15 دولارًا، مبلغ صغير بالنسبة للسائحة، وعادي لو كان "محمود" ضربها في جيبه وطنش! بس لأ.. الفكرة فكرة تربية وأخلاق. الواد متربي صح.. متأسس مياخدش أكتر من حقه. استغراب "ماريا" وفرحتها في نفس الوقت كانوا بسبب إن إزاي طفل في السن ده عنده القدر ده من الأمانة، وليه يتعب نفسه ويضيع نهار كامل من وقت شغله عشان يدور عليها وسط أفواج السياح عشان يرجع لها الفلوس حتى لو قليلة.

"ماريا" اتصورت معاه ونزلت القصة على حسابها على إنستجرام وكتبت: (الموقف جعلني أقرر أن أزور مصر مرة أخرى لأمانة أهل جنوب مصر وسوف أدعو أصدقائي في القادم لزيارة أسوان لمشاهدة محمود الطفل النوبي الأمين). 

ونتيجة البوست اللي هي كتبته، معظم الصحافة في بلدها كتبت عن الموضوع وعن أمانة الشاب النوبي اللي جاب بأخلاقه لمصر دعاية تساوي وزنها ذهبًا. ربنا يحفظك ويسلم اللي ربوك يا "محمود".. طفل بس أرجل من ناس أضعاف عمره. عرفوا الناس بيه، وربوا ولادكم زيه.

الحاج محمد إسماعيل عبدالقادر "جد الطفل"، قال إن "محمود" ابن ابنته يبلغ من العمر 11 عامًا، طالب بالصف الخامس الابتدائي، وهو الذي رباه ومقيم معه في نفس منزله بجزيرة هيسا.

وأضاف أن الطفل يبيع المشغولات اليدوية للسائحين بمرسى معابد فيله، وفي أحد الأيام كان يعرض ما يبيعه على السائحين في أحد المراكب النيلية، وأعجبت سائحة أرجنتينية بعدد من "الحظاظات" وقررت الشراء منه.

ولفت إلى أن السائحة "ماريا" دفعت لابن ابنته مبلغًا ماليًا قدره 20 دولارًا، وثمن ما اشترته 5 دولارات فقط، ولم تحصل على باقي أموالها، لكن "محمود" كان أمينًا جدًا وحرص على انتظارها ليعيد لها باقي أموالها وقدرها 15 دولارًا. 

وأشار إلى أن هذا الموقف جعل السائحة الأرجنتينية تنبهر بأمانة "محمود" الشديدة، رغم صغر سنه، وتعبر له عن فرحها الشديد من خلال احتضانه والتقاط صور تذكارية برفقته، كما بعثت له رسالة مع مرشد سياحي لتخبره بأنها سعيدة بأمانته الشديدة التي ستكون سببًا رئيسيًا في زيارتها أسوان مجددًا، كما أنها ستخبر أصدقاءها بموقفه الطفل الأمين وتدعوهم لزيارة محافظات الجنوب. وتابع: "أنا مبسوط جدًا بموقف (محمود) لأن أنا اللي ربيته على الأمانة والأخلاق وميقبلش حرام على نفسه أو على أهله اللي بيساعدهم بشغله".

ونوه بأن ابن ابنته بدأ يعمل لمساعدة والديه وهو في الصف الثالث الابتدائي، وأنه يخرج في أيام الإجازة للعمل، حيث يتجه مع والده بائع الشاي إلى مكان عمله في منطقة مرسى معابد فيله، وأنهما يتجهان برفقة أحد الجيران، الذي يوصلهما بواسطة فلوكة من جزيرة هيسا النوبية إلى البر وبعدها يستقلان مواصلات حتى منطقة الكرور، ثم توكتوك عند منطقة عملهما؛ ليسعى كل منهما إلى رزقه.

محمود - الفارس النوبي الجميل أصبح سفيرًا لأخلاق أهل أسوان بهذا التصرف البسيط الذي يدل على حسن التربية والخلق الراقي. 

وليت الجميع يتعلم ويتقن من أن محمود الفارس النوبي الجميل كان سفيرًا لمصر دون أن يعينه أحد أو تكلفه حكومة، وإنما شهامة واصل ابن البلد.

حسن الخلق هو المعنى الذي بحثت عنه البشرية كثيرًا، وتطلعت إليه منذ ظهور الفلاسفة في القديم. حسن الخلق في الإسلام من أجل وأعظم الأشياء. حُسن الخلق في الاصطلاح الشرعي: طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى عن الناس، هذا مع ما يلازم المسلم من كلام حسن، ومدارة للغضب، واحتمال الأذى. وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بوصية عظيمة فقال: (يا أبا هريرة! عليك بحسن الخلق). 

قال أبو هريرة رضي الله عنه: وما حسن الخلق يا رسول الله؟ قال: (تصل مَنْ قطعك، وتعفو عمن ظلمك، وتُعطي من حرمك) [رواه البيهقي]. فإن مكارم الأخلاق صفة من صفات الأنبياء والصديقين والصالحين، بها تُنال الدرجات، وتُرفع المقامات.

وقد خص الله جل وعلا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، جمعت له محامد الأخلاق ومحاسن الآداب.

ومن صفات حسن الخلق أن يكف آذاه عن الناس، وأن يصلح بينهم، وأن يقل كلامه ويكثر عمله، وأن يكون بارًا بوالديه، وأن يصبر على الأذى ويشكر لله ويرضى بما قسم الله له.

وأن يكون حليمًا رقيقًا شفيقًا، لا لعانًا ولا سبابًا ولا نمامًا ولا عجولًا ولا بخيلًا ولا حسودًا، بل يزرع الابتسامة في وجوه الآخرين، يحب في الله ويرضى في الله ويغضب لله، وأن يتذكر قول الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران 134]. والتحلي بالأخلاق من صفات الفطرة السليمة والعقلاء يدركون أن الصدق والوفاء بالعهد وبذل المعروف أخلاق فاضلة يستحق صاحبها الثناء والكذب والغدر والجبن والبخل أخلاق سيئة يُذم صاحبها.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما كان أحد أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال: لبيك، فلذلك أنزل الله عز وجل: {وإنك لعلى خلق عظيم}.

وعن أم الدرداء قالت: (قام أبو الدرداء ليلة يصلي، فجعل يبكي ويقول: اللهم أحسنت خُلقي فحسن خلقي، حتى أصبح. قلت: يا أبا الدرداء، ما كان دعاؤك منذ الليلة إلا في حسن الخلق؟ فقال: يا أم الدرداء، إن العبد المسلم يحسن خلقه، حتى يدخله حسن خلقه الجنة، ويسيء خلقه، حتى يدخله سوء خلقه النار، والعبد المسلم يغفر له وهو نائم. قلت: يا أبا الدرداء، كيف يغفر له وهو نائم؟ قال: يقوم أخوه من الليل فيجتهد فيدعو الله عز وجل فيستجيب له، ويدعو لأخيه فيستجيب له فيه).

واعلم أن كل إنسان جاهل بعيوب نفسه، فإذا جاهد نفسه أدنى مجاهدة حتى ترك فواحش المعاصي، ربما يظن بنفسه أنه هذب نفسه وحسن خلقه واستغنى عن المجاهدة، فلا بد من إيضاح علامة حسن الخلق. فإن حسن الخلق هو الإيمان، وسوء الخلق هو النفاق. 

وقد ذكر الله تعالى صفات المؤمنين والمنافقين في كتابه وهي بجملتها ثمرة حسن الخلق وسوء الخلق. 

وإياك وأن تصاحب من ساء خلقه، الذي لا يملك نفسه عند الغضب والشهوة، ويجب أن نتذكر بأن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد، وأن الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل. وقد تكون للإنسان فضائل كثيرة وخلق سيء يفسد أخلاقه الصالحة كلها. وتذكر أخي عند الغضب قول الله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}. [الإسراء: 53]

حفظ الله مصر وشعبها وقائدها وجيشها ورجال أمنها وكافة المخلصين من أبناء هذا الوطن، وجنبها شر الفتن والأحقاد والشائعات والضغائن والحروب.

اللهم إني استودعك مصر وأهلها أمنها وأمانها، ليلها ونهارها، أرضها وسمائها، فاحفظها ربي يا من لا تضيع عنده الودائع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق