في قلب جبال المغرب الشاهقة، حيث الطبيعة القاسية والمعاناة اليومية، تعيش دواوير قبيلة أيت حمو التابعة لجماعة وسلسات بإقليم ورزازات حياة أشبه بمعركة يومية للبقاء، وسط غياب كامل للشبكة الكهربائية، الأمر الذي يجعل الحياة متوقفة، وكأن السكان في العصر الحجري، حسب إفادة العديد من الفاعلين الجمعويين.
وأضاف هؤلاء الفاعلون الجمعويون، في تصريحات متطابقة لهسبريس، أن دواوير مثل إسيدان نيزدار، إسيدان نوفلا، عيدل 1، عيدل 2، أمداوعراب، تيمغاتين، تزارين، إنديلي، تاغوغت، سيدي مبارك، واوكركوست، وبويزيرا، تعيش في ظلام دامس منذ عقود، محرومة من أدنى مقومات الحياة العصرية، ومعتمدة على الشموع وقنينات الغاز لإنارة بدائية بالكاد تبقي الحياة ممكنة.
“هذا الظلام لا يقتصر فقط على غياب الضوء، بل يعكس عزلة وتهميشا عميقا، وكأن سكان هذه الدواوير قد أقصوا تماما من حسابات التنمية التي تتغنى بها الدولة”، يقول الحسين الإبراهيمي، أحد سكان المنطقة، في تصريح خاص لهسبريس، مضيفا: “بينما تتحدث الدولة عن التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية نحن هنا نعيش في عزلة حقيقية تفصلنا عن الحضارة بسنوات ضوئية، وأطفالنا يدرسون على ضوء الشموع. الأمهات يخشين الحرائق، والرجال يعجزون عن توفير الحد الأدنى من ظروف العيش الكريم لأسرهم”.
الطاقة الشمسية
في محاولة للتخفيف من معاناة سكان هذه الدواوير أطلقت الحكومة سنة 2016 مشروعا لتوزيع ألواح الطاقة الشمسية، بتمويل من حكومة أبو ظبي وبشراكة مع المكتب الوطني للكهرباء. وجاءت هذه المبادرة كمنحة لتوفير إنارة محدودة، وأعطت للسكان بصيص أمل في أن النور بدأ يشق طريقه إلى حياتهم البسيطة، لكن سرعان ما تكشفت الحقيقة.
ويوضح الإبراهيمي، في تصريحه لهسبريس، أن “هذه الألواح، رغم أهميتها، لم تكن سوى حل مؤقت، وقدرتها محدودة للغاية، فبالكاد تكفي لإنارة مصباح صغير أو شحن هاتف محمول”، وزاد: “الأسوأ من ذلك أن العقد المبرم يضمن الصيانة لمدة عشر سنوات فقط، أي إن هذه الألواح ستصبح عديمة الفائدة بحلول عام 2026، ما يعني أننا سنعود إلى الظلام الحالك”.
علي أمريغ، أحد سكان قبيلة أيت حمو، عبر عن إحباطه من غياب شبكة الكهرباء في المنطقة بقوله: “كنا نعتقد أن هذه الألواح بداية حل دائم، لكنها كانت مجرد مسكن مؤقت، والآن، ومع اقتراب نهاية الضمانة، نشعر بأننا كنا في مسرحية، والستار سيغلق قريبا لنعود إلى الظلام”، مردفا: “نحن بالكاد نستطيع توفير قوت يومنا، فكيف لنا تحمل تكاليف صيانة أو استبدال هذه الألواح؟”.
التنمية المنتظرة
“بينما يعاني سكان هذه الدواوير من عزلة وظلام يرمز إلى التهميش ترفع الدولة شعارات التنمية والاستعداد لكأس العالم 2030، وتنفق الملايير على بناء الملاعب والفنادق لتقديم صورة مشرقة للعالم”، يقول محمد، أحد سكان دوار عيدل 2، متسائلا بحرقة: “كيف يمكن الحديث عن تنمية شاملة ومستدامة بينما مناطق بأكملها في الظلام؟ ألا يستحق أطفالنا، الذين يدرسون على ضوء الشموع ويكافحون من أجل مستقبل غامض، جزءا من هذه التنمية؟”.
وأضاف المتحدث ذاته في تصريح خاص لهسبريس: “نطالب بتحرك عاجل من الجهات المسؤولة، خاصة المكتب الوطني للكهرباء، وعمالة إقليم ورزازات، والمجلس الإقليمي لورزازات، وجماعة وسلسات، ومجلس جهة درعة تافيلالت”، وزاد: ” لا نريد حلولا مؤقتة، بل شبكة كهربائية دائمة تخرجنا من هذا الظلام الذي سئمناه”.
التزام الانتظار
موازاة ذلك يشير الحسين الإبراهيمي إلى أن الحياة في هذه المناطق أصبحت أشبه بمعركة يومية للبقاء، قائلا: “بينما تسير البلاد نحو التقدم نحن هنا عالقون في الماضي”، وتابع: “أطفالنا محرومون من أبسط وسائل التعليم الجيد، وأمهاتنا يعشن في قلق دائم بسبب مخاطر استخدام الشموع، وحياتنا بأكملها متوقفة على واقع مظلم ومصير مجهول. نحن لا نطلب أكثر من حقنا في العيش بكرامة، في ظروف تليق بإنسانيتنا”.
سكان دواوير أيت حمو، الذين أنهكتهم سنوات طويلة من الصبر والمعاناة، يناشدون الجهات المسؤولة التدخل العاجل لإنقاذهم من هذا الواقع القاسي، فالألواح الشمسية التي كانت تعتبر حلا مؤقتا أضحت عبئا جديدا يهددهم بالعودة إلى نقطة الصفر. ومع اقتراب عام 2026 يخشى أن تتحول هذه الأزمة إلى كارثة إنسانية حقيقية، حيث ستترك مئات الأسر في ظلام دامس، عاجزة عن مواجهة الأعباء المادية لصيانة أو استبدال هذه الألواح.
رأي رسمي
أكد مسؤول رفيع المستوى بإقليم ورزازات، في تصريح خاص لهسبريس، أن توفير الطاقة الشمسية لدواوير منطقة آيت حمو سنة 2016 كان حلا مؤقتا في انتظار دراسة شاملة لتزويدها بالشبكة الكهربائية الوطنية، موضحا أن هذا الحل جاء لتلبية احتياجات السكان بشكل سريع ومرحلي، في حين كانت الجهات المختصة تعمل على إعداد مشروع متكامل للكهرباء.
وشدد المسؤول ذاته على أن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، بالتنسيق مع عمالة الإقليم وشركاء آخرين، أعدوا دراسة مفصلة حول المشروع، الذي من المقرر إطلاقه قريبا مع بداية السنة المقبلة.
وأضاف المتحدث ذاته أن السلطة الإقليمية، في شخص عامل إقليم ورزازات، تولي اهتماما كبيرا لموضوع كهربة دواوير آيت حمو، إذ تم فتح هذا الملف منذ تعيين العامل الحالي على رأس الإدارة الترابية بالإقليم، مؤكدا أن العامل يتابع عن كثب مراحل تنفيذ المشروع، ويعمل على تسريع الإجراءات اللازمة لضمان استفادة جميع الساكنة من الكهرباء بشكل دائم ومستقر.
كما أشار المسؤول ذاته إلى أن مشروع كهربة دواوير آيت حمو بلغ مراحله النهائية، موردا أن جميع الترتيبات الإدارية والتقنية تم استكمالها، ومن المتوقع أن يتم الشروع في تنفيذ المشروع على أرض الواقع قريبا، ما سيشكل نقلة نوعية في حياة السكان المحليين، وسيساهم في تحسين ظروف معيشتهم وتعزيز التنمية بالمنطقة.
0 تعليق