القيادة الحكيمة للملك الحسن الثانى ساعدت فى تنظيم أكبر مسيرة سلمية بمشاركة أكثر من 350 ألف مغربى ومغربية
احتفلت المملكة المغربية في 6 نوفمبر 2024 بمرور 49 عامًا على انطلاق المسيرة الخضراء، الحدث التاريخي الذي شكل تحولًا هامًا في مسار تاريخ المغرب الحديث فقد كانت المسيرة الخضراء، التي قادها الملك الراحل الحسن الثاني في 6 نوفمبر 1975، نقطة فارقة في معركة المغرب لاستكمال وحدة أراضيه، كما شكلت نموذجًا فريدًا في العمل السلمي والجماعي لتحقيق العدالة والحقوق الوطنية ففي يوم 6 نوفمبر 1975، انطلقت المسيرة الخضراء بمشاركة أكثر من 350 ألف مغربي ومغربية، وهم يحملون رايات الوطن والمصاحف، متحدين في مسيرة سلمية لاسترجاع الأقاليم الجنوبية من الاحتلال الإسباني ومنذ ذلك اليوم، لا يزال هذا الحدث محفورًا في ذاكرة الشعب المغربي كرمز للمحبة والوحدة الوطنية، وقوة التضحية والشجاعة.
المسيرة الخضراء: خطوة تاريخية نحو استكمال وحدة التراب المغربى
كان الإعلان عن المسيرة الخضراء في ١٦ أكتوبر ١٩٧٥ بمثابة إشعار تاريخي لجميع المغاربة والعالم بأن المغرب عازم على استرجاع أقاليمه الجنوبية التي كانت تحت الاحتلال الإسباني، فقد كان الملك الحسن الثاني، رحمه الله، يشرف على عملية تحضيرات المسيرة الخضراء التي كانت تهدف إلى التوجه نحو الصحراء المغربية لاسترجاعها سلميا، وهو ما تحقق فعلاً بعد أشهر من التحضير والعمل الدؤوب كانت هذه المسيرة رسالة للعالم بأن المغرب لا يقبل الاستمرار في التقسيمات الجغرافية التي كانت مفروضة عليه في ظل الاستعمار، بل كان يهدف إلى استرجاع كامل ترابه الوطني.
المسيرة الخضراء لم تكن مجرد حدث سياسي أو عسكري، بل كانت أيضاً رمزية أظهرت الوحدة الوطنية والتضامن الشعبي بين مختلف فئات الشعب المغربي. فكل فرد، من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، شعر بأن المشاركة في هذه المسيرة هي التزام وواجب وطني، ما جعل منها حدثًا غير مسبوق على المستوى الدولي. تمثلت أهداف المسيرة في رفع شعار وحدة المغرب، والتأكيد على أن الصحراء مغربية، وأن مغربيتها لا تقبل الشك أو التردد.
نموذج فريد: المسيرة السلمية لتحقيق الهدف الوطنى
ما يميز المسيرة الخضراء هو أنها كانت مسيرة سلمية، وحدثًا غير عنيف. في وقت كانت فيه النزاعات المسلحة والحروب تهيمن على قضايا تحرير الأراضي في العديد من أنحاء العالم، اختار المغرب أن يسلك طريقًا سلميًا لاسترجاع أرضه.
وهذا الخيار كان يعني إيمانه العميق بحتمية التعايش بين الشعوب واحترام حقوق الإنسان، وهو ما يتماشى مع المبادئ التي طالما تبنى المغرب في سياسته الخارجية في المسيرة الخضراء، لم يكن هناك سلاح سوى السلام، ولم يكن هناك صوت سوى صوت الوحدة الوطنية.
حمل المشاركون الأعلام المغربية والمصاحف فقط، ولم تندلع أي مواجهات أو اشتباكات، ما جعل هذه المسيرة نموذجًا فريدًا في التاريخ المعاصر، والذي لا يزال يُحتذى به في العديد من القضايا الدولية.
كانت المسيرة رسالة قوية مفادها أن المغرب اختار التفاوض والحوار في معركة استرجاع حقوقه، دون الحاجة إلى العنف. وأكدت للعالم بأسره أن المغرب لم يكن يريد الحرب، بل كان يريد الحل السلمي والعادل في إطار احترام سيادته على كامل أراضيه.
محكمة العدل الدولية: دعم قانونى لمطالب المغرب
كان رأي محكمة العدل الدولية في لاهاي الذي صدر في ١٦ أكتوبر ١٩٧٥، قبل أيام من انطلاق المسيرة الخضراء، بمثابة دعم قوي للموقف المغربي في قضية الصحراء.
أكد الرأي الاستشاري للمحكمة أن الصحراء كانت جزءًا من المملكة المغربية، وأن لها روابط تاريخية وشرعية مع المغرب، ما عزز مصداقية الموقف المغربي في الساحة الدولية.
شكل هذا الرأي عنصرًا داعمًا رئيسيًا في تحركات المغرب على الساحة الدبلوماسية، خاصة مع الأمم المتحدة، حيث كان يطالب المغرب بعودة الأقاليم الجنوبية تحت سيادته.
كيف نجح المغرب في تنظيم المسيرة الخضراء لاستكمال وحدته الترابية؟
تُعد المسيرة الخضراء أحد أبرز الأحداث في تاريخ المغرب الحديث، حيث أعلن الملك الراحل الحسن الثاني في ١٦ أكتوبر ١٩٧٥ عن تنظيم هذه المسيرة السلمية، والتي ضمت ٣٥٠ ألف مواطن مغربي ومغربية، منهم ١٠٪ من النساء، بهدف تحرير الأقاليم الجنوبية من الاحتلال الإسباني.
وأصبح الاحتفال بذكرى المسيرة الخضراء رمزًا لاستحضار أهمية هذا الحدث التاريخي وللتذكير بواقع الأقاليم الجنوبية في عهد الاستعمار، حيث كانت تعاني من نقص في التنمية والخدمات.
فيما يلي مجموعة من الحقائق والمعلومات التي توضح التنظيم المحكم للمسيرة وطابعها السلمي:
اتسمت التحضيرات للمسيرة بالسرية التامة، حيث شكل الإعلان عنها مفاجأة للجميع، سواء داخل المغرب أو خارجه. جاء الإعلان عن المسيرة بمثابة خطوة غير متوقعة على المستوى الدولي وأبهر الجميع بجرأته.
كانت المسيرة الخضراء مثالًا يُحتذى في السلمية، حيث خلت من أي مظاهر عنف.
حمل المتطوعون المغاربة الأعلام الوطنية والمصاحف، معبرين بذلك عن التزامهم بالسلم ونبذ العنف، وأظهروا توحدًا وطنيًا فريدًا.
حرصت السلطات المغربية على سلامة المشاركين في المسيرة، حيث رافقها ٤٧٠ من الأطباء والممرضين لضمان الرعاية الصحية اللازمة للمشاركين طيلة الرحلة.
واستمر نقل المتطوعين إلى جنوب المغرب لمدة ١٢ يومًا، حيث عملت ١٠ قطارات يوميًا وبدون توقف لنقلهم من مختلف المدن إلى مدينة مراكش، ومنها إلى مدينة أكادير باستخدام الشاحنات والحافلات التي بلغ عددها ٧٨١٣.
ولضمان نجاح المسيرة، وفرت السلطات المغربية احتياجات ضخمة من المؤن والمعدات تضمنت ٤٣ ألف طن من المواد الغذائية و٢٥٠٠ طن من الوقود و٢٣٠ سيارة إسعاف و٣٠٠ شاحنة للنقل و١٢٠٠ حافلة لنقل المشاركين و٢٣ ألف طن من الماء و١٠ آلاف خيمة و٤٣٠ ألف آنية للطبخ و٣٥ ألف غطاء
وشاركت القوات المسلحة المغربية، بمشاركة نحو ٢٠ ألف عنصر من الجيش والدرك، في تأمين المسيرة والحفاظ على سلامة المشاركين، مما يعكس مستوى التنظيم والتخطيط المحكم الذي رافق هذا الحدث التاريخي.
مشاركة دولية في المسيرة
شهدت المسيرة مشاركة وفود ممثلة لبعض الدول العربية والإسلامية، منها مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة بوفد من شيوخ الإمارات ومنهم الشيخ محمد بن زايد والمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية وسلطنة عمان الكويت.
كما شاركت دول أفريقية مثل السنغال والغابون وشخصيات دولية من اليسار الإسباني، والحزب الجمهوري الفرنسي، ومتطوعين من سويسرا وغينيا بيساو، إضافة إلى منظمات حقوقية من أمريكا وأوروبا.
خطاب الملك الحسن الثانى بعد نجاح المسيرة
في ٩ نوفمبر ١٩٧٥، خاطب الملك الحسن الثاني الشعب المغربي بكلمات تعبر عن الفخر الوطني، فقال: "أيها المتطوعون لكم التنويه الوطني من مواطنيكم ومني على ما قمتم به من عمل، وعلى ما جسدتموه من قوة سلمية فكرية قدرت على شق الأحجار وتمكنت من لفت الأنظار إليها من جميع أنحاء العالم، لفته نظر الإعجاب والتقدير والإعظام".
التفاعل الدولي والدعم الخارجي
خلافًا لما قد يحدث عادة في الأزمات والصراعات، المسيرة الخضراء لاقت دعمًا دوليًا واسعًا من مختلف الأطراف. فقد شهدت المسيرة مشاركة العديد من الوفود العربية والأفريقية والدولية التي جاءت لتشهد الحدث وتدعم مشروعية المطالب المغربية.
من الدول العربية التي دعمت المسيرة بشكل كبير كانت الإمارات العربية المتحدة والسعودية والأردن. كما شهدت المسيرة أيضًا مشاركة وفود من دول أفريقية مثل السنغال والغابون، إضافة إلى بعض منظمات المجتمع المدني الدولية وفريق متطوعين من سويسرا وغينيا بيساو.
هذا الدعم الدولي ساعد في تعزيز مشروعية التحرك المغربي على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأدى إلى نقل رسالة المغرب حول مغربية الصحراء إلى المحافل الدولية، لاسيما الأمم المتحدة والمنظمات العالمية.
نجاح المسيرة: انسحاب إسبانى وتوقيع اتفاقية مدريد
بفضل نجاح المسيرة الخضراء في فرض الضغط على الحكومة الإسبانية، دخل المغرب في مفاوضات مع إسبانيا انتهت بتوقيع اتفاقية مدريد في ١٤ نوفمبر ١٩٧٥. بموجب هذه الاتفاقية، وافقت إسبانيا على الانسحاب من الأقاليم الجنوبية للمغرب، وإنهاء احتلالها لهذه المناطق.
ومع نهاية فبراير ١٩٧٦، أكدت إسبانيا انسحابها التام من الصحراء، ليبدأ المغرب في استعادة سيادته على الأقاليم الجنوبية.
كانت اتفاقية مدريد بمثابة انتصار دبلوماسي وسلمي للمغرب، كما كانت بداية مرحلة جديدة من إعادة بناء الأقاليم الجنوبية ودمجها في النسيج الوطني للمملكة.
إرث المسيرة الخضراء: تنمية الأقاليم الجنوبية وتأكيد مغربيتها
على مدار ٤٩ عامًا منذ انطلاق المسيرة الخضراء، شهدت الأقاليم الجنوبية للمغرب تطورًا كبيرًا في جميع المجالات. فبفضل الرؤية الملكية الحكيمة، التي تواصلت منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني وصولًا إلى الملك محمد السادس، تمت إطلاق مشاريع تنموية ضخمة تهدف إلى تحسين حياة السكان في الصحراء وتعزيز الوحدة الوطنية. كما تم استثمار أكثر من ٨٥ مليار درهم في مشاريع كبيرة في مجالات البنية التحتية، المواصلات، الصحة، والتعليم، حيث تم بناء طرق سريعة، موانئ، محطات طاقة متجددة، بالإضافة إلى إنشاء جامعات ومستشفيات جديدة.
واليوم، تعتبر الأقاليم الجنوبية مركزًا اقتصاديًا حيويًا في المغرب، حيث يربط ميناء الداخلة الأطلسي المملكة بالمحيط الأطلسي، كما يتواصل العمل على تحويل هذه المنطقة إلى مركز تجاري وصناعي هام في القارة الأفريقية. كما يساهم مشروع مدينة العيون في تعزيز النمو المستدام والتطور الاقتصادي في هذه المناطق.
مواقف الدول الداعمة للمغرب: مسيرة نحو الاعتراف الدولي
في السنوات الأخيرة، شهدت قضية الصحراء المغربية دعمًا دوليًا متزايدًا. فقد افتتحت العديد من الدول قنصليات لها في العيون والداخلة، مما يعد اعترافًا متزايدًا بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية. من بين هذه الدول، هناك دول كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا، إضافة إلى العديد من الدول العربية والإفريقية، بما في ذلك مصر التي كانت دائمًا تدعم موقف المغرب الثابت في قضية الصحراء.
وأكد العديد من القادة الدوليين أن الحل السياسي لقضية الصحراء يجب أن يتم في إطار الحل السلمي تحت إشراف الأمم المتحدة، مؤكدين على أهمية احترام الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
استمرار التزام المغرب بالحل السلمى والنمو المتوازن
اليوم، وبعد مرور ٤٩ عامًا على المسيرة الخضراء، يظل المغرب ملتزمًا بالحفاظ على وحدة ترابه الوطني، ويواصل التمسك بحل سياسي سلمي عادل ودائم. وعبر مبادراته المستمرة، مثل مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب للأمم المتحدة، يسعى إلى الوصول إلى تسوية شاملة للمشكلة، مؤكداً على أن المغرب لا يسعى إلا لتحقيق السلام والعدالة في جميع المناطق المغربية.
ويستمر الشعب المغربي في تجديد العهد مع قيادته الحكيمة، متمسكًا بشعار الوحدة الوطنية، ويواصل العمل على تحقيق التنمية المستدامة والنمو في جميع مناطق المملكة، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية. إن المسيرة الخضراء تظل رمزًا للعزيمة والإصرار، ورؤيته المستقبلية التي ستظل منارة تضيء دروب الأجيال المقبلة.
0 تعليق