تمر علي -أنا فقط- أيام الأعياد الوطنية بمشاعر مختلطة ومختلفة عن باقي السنوات الماضية، حيث تزامنت احتفالاتنا هذا العام بفرحة أهل سوريا الكرام بعودة بلدهم المختطف منذ 5 عقود من الزمن المظلم، وليبدؤوا حياة جديدة تجعلني أراهم اليوم أسعد البشر بما تحقق لهم في يوم وليلة.
على الجانب الآخر إخوتنا في غزة وفلسطين الذين ينتظرون خبراً مفرحاً يحمل عنواناً بسيطاً جداً وهو "وقف إطلاق النار" فقط، لكنه لا يأتي، وأدعو الله لهم في هذه الأيام المفرحة لأقوام في نفس منطقتهم، أن يمزجهم بفرحة كبيرة، نشاركهم فيها إلى جانب فرحتنا بأيامنا الوطنية المجيدة.
لا شك أننا نحزن على الذين يعانون في أنحاء منطقة الشرق "الأحزن"، حيث لم يعد شرقاً أوسطاً بعد الذي يحدث في جنباته ووسطه، فها هي أيضاً السودان تعاني من نزيف داخلي، فلا يبكي عليها أحد ولا تجد من يشفيها من هذا السرطان الذي يأكل جسدها من الداخل.
لكني أجد في عيدنا الوطني هذا العام شيئاً غير الفرحة، وهو أكبر منها بكثير لو يعلم الذين يفرحون، إنها النعمة التي اختصنا الله بها فجعلنا من القوم الآمنين المطمئنين، السعداء في الدنيا، وبإذنه تعالى في الآخرة.
الإنسان يفرح ويحزن ويضيق ويرتاح ويمر بكافة المشاعر ربما في يوم واحد من حياته، لكن المشكلة في استمرار واحدة من تلك الحالات إلى مدى أطول من الطبيعي، وهذا ما حدث لأهل سوريا الذي كانت نسبة المعاناة لديهم تتجاوز حدود المعقول، فلم يروا من السعادة إلا ما ندر، وذلك على العكس منا نحن في البحرين.
لهذا أجد العيد الوطني هذه السنة مناسبة لتذكر النعم التي فضلنا الله عز وجل بها، بأن وهبنا ملكاً عظيماً محباً لأهله وشعبه لا يرضى لهم الظلم، ولا يألو جهداً في تحقيق تطلعاتهم، ولمن يدعي غير ذلك أقول له اذهب إلى البلد التي ترى فيها السعادة واتركنا آمنين.
يا إخواني والله إنها لنعمة كبيرة أن تضعوا أنفسكم محل أهل الشام الذين ذاقوا عذاب الظلم والسجن والجوع والبرد والفقر والتهجير والإهانة والقتل والمصير المجهول، ثم لتعودوا مرة أخرى لواقع الحياة في البحرين وتنظروا حولكم، وتحمدوا الله تعالى على هذه النعمة العظيمة التي تغمرنا ليل نهار.
بل تخيل أن يخرج عليك ابن بلدك مثلما حدث في السودان، ويقتلك ويغتصب نساءك ويخرجك من بيتك ويفرق بينك وبين أهلك، ثم ارجع بتخيلاتك إلى الواقع الذي تعيشه، لتعلم أن هناك نعماً أخرى لا تدركها، وهي العدالة والإنصاف والحقوق المصانة بالقوانين، والتعايش السلمي بين أي طائفة وأخرى في مكان واحد، يعرف الجميع فيه حقوقه وواجباته.
لو بقي لي في هذا المقال مساحة فسأملأها بالحمد لله والشكر على نعمته، ولا شيء غير ذلك، فاشكروا الله كثيراً في أيام العيد الوطني المجيد، أعادها الله علينا جميعاً بالخير والعدل والحرية والأمان وكل ما نحن فيه اليوم من فضل الله سبحانه وتعالى.
* قبطان - رئيس تحرير جريدة "ديلي تربيون" الإنجليزية
0 تعليق