مائدة تستحضر جرائم الإبادة بفلسطين - ترند نيوز

0 تعليق ارسل طباعة

احتفاء بالذكرى 76 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان نظم مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات ومجموعة البحث حول الإدارة والسياسات العمومية، بشراكة مع خميس الخزانة، بخزانة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش مائدة مستديرة حول “القانون الدولي وجرائم الإبادة في غزة”.

وانطلقت مرجعية النقاش من فكرة أن القانون الدولي أٌسِسَ على فلسفة قوة القانون كآلية مركزية لتنظيم العلاقات الدولية، وتحقيق التعايش بين أطراف المجتمع الدولي، انطلاقا من مبدأي السيادة والمساواة القانونية بين الوحدات السياسية الدولية، وتطبيق القانون الدولي على أساسهما، وهو ما من شأنه أن يساعد على إنتاج نظام دولي عادل ومنصف.

لكن في ظل التحولات التي يشهدها النظام الدولي، والانزياحات المتكررة عن القانون الدولي الذي يحاول تأطيره، تتوالى الأحداث المأساوية والصراعات والحروب بمنطق الأحادية في صناعة القرار والتدخلات العسكرية، وتهميش المؤسسات والشرعية الدولية، وتكريس منطق القوة والهيمنة. ورغم المجهودات المبذولة على صعيد المؤسسات والمنظمات الدولية، التي ساهمت في احتواء العديد من الأزمات والصراعات، التي كاد بعضها يؤدي إلى اندلاع حروب شاملة، فإن عملها تتم عرقلته وتجاوزه، خصوصا من طرف الدول الكبرى.

إن هدف المائدة المستديرة، التي فتحت نقاشا أكاديمييا حول حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني بغزة، التي يشهد عليها التاريخ والعالم منذ أكثر من سنة، والتي تتميز بعدم التناسبية في الفعل ورد الفعل، وغياب تام لاحترام قانون الحرب والقانون الدولي الإنساني، يندرج في سياق مساءلة البعد الإجرائي للقانون الدولي وآليات تطبيقه وحدودها. فأمام واقع القوة وتنافس المصالح الوطنية تختفي الأبعاد القانونية والأخلاقية والإنسانية للعدالة الدولية، وإلا كيف يمكن قبول وتفسير حجم الدمار والإبادة المهولة في غزة التي لم يسبق لها مثيل في القرن الواحد والعشرين؟ وهذا ما يسائل الضمير الجمعي الإنساني، ويحتاج إلى جدية الترافع الدولي والتدخل الفوري لوقف حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني.

وقد تنوعت المداخلات التي أطرها خبراء وباحثون (رضى آيت علا، خميس وليام كيول، عبد الحكيم وادي، محمد أبي السرور، أحمد الشافعي، زهير لعميم، عبد العزيز الراضي، مصطفى جاري) في القانون الدولي والعلاقات الدولية وحقوق الإنسان، من خلال تفكيك العديد من الأبعاد المرتبطة بالقانون الدولي وجريمة الإبادة، حيث تم تحديد البعد المفاهيمي لجريمة الإبادة، وتطوراته التاريخية والفلسفية. كما تم التطرق إلى البعد القانوني لجريمة الإبادة الجماعية وفق قرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وتطور مسارات التقاضي الدولي من خلال قراءة معمقة لقرار المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو وغالانت، وآثاره القانونية والإجرائية.

وفي السياق نفسه قدمت قراءة لمجموعة من التقارير الدولية، التي تؤكد أن ما يقع بغزة يرقى إلى مستوى جريمة الإبادة، كالتقرير المعنون بـ”تشريح الإبادة الجماعية” للمقررة الأممية المختصة بوضعية حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية منذ 1967، الإيطالية فرانشيسكا ألبانيز، التي بالرغم من الضغوطات التي تعرضت لها من طرف اللوبيات المناهضة لحقوق الشعب الفلسطيني قدمت شهادة موضوعية وموثقة تخلص إلى أن هناك “أسبابا معقولة للاعتقاد” بأن عتبة جريمة الإبادة الجماعية استوفيت في قطاع غزة.

كما تم تقديم ومناقشة مضمون تقرير آخر، لا يقل أهمية عن سابقه، وهو تقرير منظمة العفو الدولية “بتحسّ إنّك مش بني آدم.. الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة”، من خلال القتل الممنهج، والحصار والتجويع، والتهجير القسري، والحيلولة دون وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين، مما أحال المنطقة إلى أرض غير صالحة للعيش، وهو ما لا يمكن تبريره تحت أي مسوِّغ.

بالإضافة إلى حرب الإبادة على غزة، وفي سياق المقاربة المقارنة، ناقشت المائدة المستديرة جرائم الحرب في جنوب السودان، الذي ولد من رحم الحرب الأهلية، والذي عانت ساكنته ولا تزال من ويلات الصراع والتنافس غير السلميين للولوج إلى السلطة وتداولها، وهو ما خلف مئات الآلاف من الضحايا المدنيين الذين قتلوا وهجروا وتم تجويعهم ومورست عليهم أبشع الجرائم الجنسية.

ولعل القاسم المشترك لجرائم الحرب والإبادة، سواء تعلق الأمر بالمحرقة النازية لليهود أو الإبادة الجماعية في غزة ورواندا أو جرائم الحرب في جنوب السودان، هو البدء بالحرب النفسية من خلال الدعاية الإيديولوجية المغرضة التي تسعى إلى أن تفقد الآخر أو المجموعة شخصيتها الإنسانية، وبالتالي تيسر وتشرع جرائم القتل الجماعي الممنهج.

وقد خلصت مناقشات المائدة المستديرة إلى ضرورة توحيد الجهود الدولية، وفي مقدمتها جهود الدول العربية والإسلامية من أجل الوقف الفوري لحرب الإبادة الجماعية ضد غزة، وبعد ذلك استخدام جميع الوسائل القانونية لتقديم مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية إلى العدالة. وأخيراً، ومن أجل إبطال الدعم غير المشروط الذي تقدمه الولايات المتحدة والدول الغربية لإسرائيل، لا بد أن يتم، من خلال الآليات المؤسسية والأكاديمية والمدنية المناسبة، تطوير خطاب مضاد لصالح تحرير فلسطين والاعتراف بالدولة الفلسطينية. أليست إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط بديلاً أفضل عن الهيمنة والغطرسة ونظام الأبارتايد الإسرائيلي؟ هل نجحت إسرائيل في ضمان أمنها بالوسائل العسكرية فقط؟

ودون أن نطلب من القانون الدولي أكثر مما يستطيع أن يفعل، لا سيما في مواجهة واقع السياسة الدولية، فإنه مع ذلك يشكل الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة من أجل ابرام اتفاقيات سلام دائم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق