قبل الحديث عن الكيفية التي عالج بها الإسلام إشكال الفقر، ينبغي لفت الأنظار إلى ثلاث حقائق:
– أولها أن الفقر والغنى موجودان في كل المجتمعات الإنسانية، وذلك للتفاوت الحاصل في المواهب والقدرات لدى بني الإنسان، يقول سبحانه في هذا السبب التكويني الذي من أجله كان هذا التفاوت: ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (الزخرف: 32)، يقول الإمام الرازي في تفسير هذه الآية: ” إنا أوقعنا هذا التفاوت بين العباد في القوة والضعف، والعلم والجهل، والحذق والبلاهة، والشهرة والخمول، وإنما فعلنا ذلك، لأنا لو سوينا بينهم في كل الأحوال لم نجد أحدا يخدم أحدا، ولم يصر أحد منهم مسخرا لغيره، وحينئذ يفضي ذلك إلى خراب العالم وفساد نظام الدنيا ” (مفاتيح الغيب)، وهذا بطبيعة الحال ينتج عنه الفقر والغنى، بمعنى أننا ” إذا افترضنا جماعة استوطنوا أرضا وعمروها، وأنشأوا عليها مجتمعا، وأقاموا علاقاتهم على أساس أن العمل هو مصدر الملكية، ولم يمارس أحد أي لون من ألوان الاستغلال لآخر، فسوف نجد أن هؤلاء يختلفون بعد برهة من الزمن في ثرواتهم، تبعا لاختلافهم في الخصائص الفكرية، والروحية، والجسدية ” (اقتصادنا).
– وثانيها أن المالك الحقيقي لهذا المال الذي هو في يد الأغنياء، ليسوا هم الأغنياء، وإنما هو الخالق سبحانه لقوله تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الملك:1) وقوله: ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ ﴾ (طه6). والإنسان خليفته إنما يملك حق الانتفاع والتصرف، والحفظ لهذا المال وإدارته وتوزيعه، بما رسمه الله لهم من طرق صالحة مفيدة لهم وللفقراء، يقول سبحانه: ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ (الحديد: 7) ويقول: ﴿ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ ﴾ (النور33)، ويقول: ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ ( الأعراف: 10).
– أما ثالث الحقائق فتتجلى من جهة في هذا الاهتمام الكبير الذي خص به الإسلام الفقراء والمساكين، لدرجة أنا ” لا نكاد نجد سورة من سور القرآن، إلا وفيها ذكر للفقير والمسكين أو ذكر لأحدهما ” ( شلتوت )، كما تتجلى من جهة أخرى في هذا الحث الرباني لهذا الإنسان الذي جعله مزودا بهذه المواهب والقدرات، ثم خصه بهذا التشريع العجيب – على اقتحام هذه العقبة: عقبة الاستعباد، والفقر، حيث قال سبحانه: ﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ ( البلد: 8-16 ).
ثم إلى جانب هذا الاهتمام بالفقراء والمساكين، وجدناه سبحانه في كثير من الآيات، بل وحتى في بعض السور، يتوعد بالويل والثبور أرباب الأموال الذين يحترفون الجمع والتكاثر في الأموال والأتباع، حيث يقول سبحانه: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾. فسر الأستاذ الإمام محمد عبده ” ألهاكم ” “بالتغالب في الكثرة، أي طلب كل واحد أن يكون أكثر من الآخر مالا وأتباعا”.
كذلك وجدناه سبحانه في سورة الهمزة يتوعد بالنبذ في الحطمة، ذلك الذي ليس له من حرفة في الحياة غير الطعن في أعراض الناس، والتحقير لأعمالهم من جهة، وجمعه المال وتعديده أي عده مرة بعد مرة شغفا بإحصائه وتلذذا، ظنا منه أن جمع المال من هنا وهناك هو الكفيل بكسبه الخلود. يقول سبحانه: ﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ …﴾ إلى آخر السورة.
– مثلما وجدناه يحكم بالكفر على هؤلاء الذين جعلوا للحياة الاجتماعية عنوانا لا يدل إلا على التعنيف والتجويع لليتامى والمساكين من جهة، والبعد عن الخالق من جهة أخرى، يقول سبحانه: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ( أي يوم القيامة ) فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾.
بالتأمل في هذه الأوصاف الواردة فيمن يكذب بالدين نجد أنه يمكن تقسيمها قسمين:
– قسم خاص بأولئك الذين يضطهدون اليتامى والمساكين بالعنف والجوع، وهم المشار إليهم بقوله سبحانه: ﴿ فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ ثم بقوله: ﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ بناء على أن الماعون: ” معناه عند أبي بكر، وعلي، وابن عباس، وابن الحنفية، وابن عمر، والحسن، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، هو الزكاة ” ( مفاتيح الغيب ) مستدلين على ذلك بذكره عقب الصلاة، فالظاهر أن يكون ذلك هو الزكاة “.
– وقسم خاص بالسهو عن الصلاة، والمراءاة بها، وهو المشار إليه بقوله تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ﴾. ساق الإمام الرازي عدة أقوال في معنى السهو عن الصلاة، والسهو في الصلاة، خرج منها بهذه النتيجة، حيث قال: ” فثبت أن السهو في الصلاة من أفعال المومن (إذ نجد الكثير من المؤمنين يسهون في صلاتهم ) والسهو عن الصلاة من أفعال الكافر ” ثم عزز ذلك بما ذهب إليه سعد بن أبي وقاص، ومسروق، والحسن، ومقاتل، حيث قالوا في معنى الساهي عن الصلاة: إنه ذلك الذي لا يبالي صلى أو لم يصل “. ثم قال في قوله: ” الذين يراءون ” ” اعلم أن الفرق بين المنافق والمرائي، أن المنافق هو المظهر للإيمان، المبطن للكفر، والمرائي هو المظهر ما ليس في قلبه من زيادة خشوع ليعتقد فيه من يراه أنه متدين “.
ثم قال في الملاءمة بين القسمين: المحققون في الملاءمة بين قوله:” يراءون ” وبين قوله:” ويمنعون الماعون ” يقولون:” كأنه تعالى يقول الصلاة لي، والماعون للخلق، فما يجب جعله لي يعرضونه على الخلق، وما هو من حق الخلق يسترونه عنهم، فكأنهم لا يعاملون الخلق والرب إلا على العكس “.
والحاصل أنه سبحانه في قوله: ﴿ فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾، وقوله: ﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ من جهة، ثم قوله من الجهة الأخرى: ﴿ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ﴾ أنه سبحانه كأنه يقول:” إقدامه على إيذاء الخلق ( بالتعنيف والتجويع ) تقصير فيما يرجع إلى الشفقة على خلق الله وسهوه عن الصلاة والمراءة بها تقصير فيما يرجع إلى التعظيم لأمر الله. فلما وقع التقصير في الأمرين، فقد كملت شقاوته ” ( انظر مفاتيح الغيب للإمام الرازي ).
كيف عالج الإسلام إشكال الفقر تشريعيا
بعد حديثنا عن موقف الإسلام من الفقراء والمساكين، ثم موقفه من الأغنياء الذين يحترفون الجمع والتعديد، نعود إلى الكيفية التي عالج بها الإسلام إشكال الفقر، أو عقبة الفقر كما أسماها القرآن.
بالتأمل في القرآن الكريم نجد الحق سبحانه قد قسم توزيع المال بين الفقراء والأغنياء قسمين: مال لا دخل لمواهب الإنسان وقدراته في كسبه وإنتاجه، ومال يكون لمواهب الإنسان وقدراته الدور الفعال في كسبه وإنتاجه.
ا- بالنسبة للقسم الأول يذكر: أن قسمته بين الأغنياء والفقراء، يجب أن تكون بالتساوي، لقوله تعالى:﴿ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَان﴾ (الرحمن 10/12). ثم قوله: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ (البقرة 29) أي:” خلق الأرض وما فيها من المعادن التي تحويها، وخلق المياه الطبيعية التي تعتبر شرطا من شروط الحياة المادية للإنسان، وخلق بقية الثروات الطبيعية التي تعيش على وجه الأرض من حيوان ونبات والتي تنتشر في الجو كالطيور، والأكسجين، وغير ذلك من ذخائر الطبيعة وثرواتها” ( اقتصادنا ) خلق كل ذلك بالتساوي أي لا تحل فيه الخوصصة.
ب – أما بالنسبة للقسم الثاني وهو الذي تلعب مواهب الإنسان وقدراته الدور الفعال في كسبه وإنتاجه والتصرف فيه فنجده سبحانه:
من جهة قد جعل للفقراء والمساكين، حقا في الغنيمة، وجعل لهما حقا في المال إذا اقتسمه أربابه بمحضر منهما لقوله تعالى:﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴾ ( النساء 8 ) وجعل لهما كفارة اليمين، كما جعل لهما كذلك كفارة اعتداء المحرِم على الصيد، وجعل لهما كفارة الظهار، كما جعل لهما فدية الإفطار في نهار رمضان.
ونجده سبحانه من جهة أخرى: قد وضع كمورد دائم حقوقا للفقراء والمساكين في أموال الأغنياء، وهي المعبر عنها بالزكاة، وضعها في زكاة النقود، وعروض التجارة، ثم في زكاة الأنعام، وزكاة الزرع، وزكاة المعادن، والركاز وهو الذي يوجد في باطن الأرض من الكنوز المدفونة. ثم حدد في كل صنف من هذه الأصناف نصابا معينا، لا تجب الزكاة في ما دونه:
زكاة الذهب والفضة والنقود
فالنصاب في الذهب والفضة والنقود هو عشرون مثقالا، والمثقال هو الدينار الشرعي، ووزنه 4,25 جرام، فيكون نصاب الذهب هو 85 جراما. أما الفضة فقد ثبت أن النصاب فيها مائتا درهم، والدرهم وزنه ثلاث جرامات تقريبا، فيكون نصاب الفضة ستمائة جرام، فمن هذا القدر فأكثر من الذهب، أو الفضة، أو منهما معا، إذا مر عليه حول كامل وهو في ملكه، وجبت عليه فيه الزكاة والمقدار الواجب فيهما هو 2,5 % .
زكاة العروض التجارية
ويقصد بالعروض التجارية جميع الأشياء التي يتاجر بها الإنسان قصد الربح، فيدخل في ذلك جميع أنواع البضائع من: ذهب، وفضة، وحديد، وخشب، وأثاث، وسيارات، وعقار، وبقر وغنم، وخضر وفواكه، وغير ذلك. والدليل على وجوب الزكاة في أموال التجارة حديث سمُرة، قال: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع ” (رواه أبو دود في سننه). ثم إجماع جمهور العلماء سلفا وخلفا من الصحابة ومن بعدهم. وهذه العروض المتاجر بها تقوَّم في نهاية الحول، فإذا بلغت النصاب الذي هو قيمة 85 جراما من الذهب، تخرج زكاتها بما يعادل 2,5 %.
أو بعبارة أخرى إن ” الثروة التي يستغلها التاجر لا تخلو أن تتخذ صورة أو أكثر من الصور الثلاث الآتية:
فإما أن تكون الثروة التجارية في صورة عروض، وبضائع اشتراها التاجر بثمن ما، ولم تبع بعد.
أو تكون في صورة نقود حاضرة يحوزها في يده فعلا، أو تحت تصرفه كالتي يضعها في ” البنوك ” لحسابه.
أو تكون في صورة ديون له على بعض العملاء أو غيرهم، مما تقتضيه طبيعة التجارة والتعامل، ولا شك أن من هذه الديون ما هو ميؤوس منه، ومنها ما هو مرجو الحصول…ولا ننسى هنا أن التاجر كما يكون له ديون على الآخرين، قلما يخلو أن يكون هو أيضا مدينا للآخرين. فكيف يخرج التاجر المسلم زكاة هذه الثروة بمختلف صورها؟
وللإجابة على ذلك نذكر هنا بعض ما جاء عن أئمة التابعين في ذلك كما رواها أبو عبيدة:
قال ميمون بن مِهران: إذا حلت عليك الزكاة فانظر ما كان عندك من نقد أو عرض فقوِّمه قيمة النقد، وما كان من دين في مِلْأةٍ (أي دين على غني مليء قادر على الدفع) فاحسبه ثم اطرح منه ما كان عليك من الدين، ثم زك ما بقي “.
وقال الحسن البصري: إذا حضر الشهر الذي وقّت الرجل أن يؤدي فيه زكاته، أدى عن كل مال له وكل ما ابتاع من التجارة، وكل دين إلا ما كان منه ضمارا لا يرجوه.
وقال ابراهيم النخعي: يقوِّم الرجل متاعه إذا كان للتجارة، إذا حلت عليه الزكاة فيزكيه مع ماله ” (يوسف القرضاوي: فقه الزكاة 1/332).
وهكذا تتبين من هذه الأقوال الكيفية التي يزكي بها التاجر ثروته التجارية.
زكاة الحيوان
والحيوانات التي تجب فيها الزكاة هي: الإبل، والبقر، والغنم، والماعز.
زكاة الإبل
أما الإبل فالنصاب فيها هو بلوغها خمسا:
والمقدار الواجب في الخمس هو شاة. وفي العشر شاتان. وفي الخمسة عشر ثلاث شياه.
أما في 25 – 35 فبنت مَخاض وهي التي أتمت سنة من عمرها، فإن لم يجد بنت مخاض، فابن لبون، وهو الذي أتم سنتين من عمره.
وفي 36 – 45 بنت لبون أنثى.
وفي 46 – 60 حِقة وهي التي أتمت أربع سنوات.
وفي 61 – 75 جذعة وهي التي أتمت أربع سنوات من عمرها.
وفي 76 – 90 بنتا لبون.
وفي 91 – 120 حِقتان.
على هذه الأعداد والمقادير انعقد الإجماع.
وأما ما زاد عليها أي على مائة وعشرين فالقول المعمول به عند الأكثر، لا يسمح المقام بالتعرض له هنا في هذا المقال.
زكاة البقر
ليس فيما دون الثلاثين من البقر شيء.
وفي الثلاثين تبيع أو تبيعة وهي التي أتمت السنة من عمرها.
وفي الأربعين مسن أو مُسنّة وهي التي أتمت السنتين من عمرها.
وفي 60 – 69 تبيعان.
وفي 70 – 79 تبيع ومسنة.
وفي 80 – 89 تبيعان.
وفي 90 – 99 ثلاثة أتبعة، وهكذا.
زكاة الغنم والماعز
أما زكاة الغنم والماعز، فليس فيما دون الأربعين شيء.
وفي 40 – 120 شاة.
وفي 121 – 200 شاتان.
وفي 201 – 300 ثلاث شياه. ثم في كل مائة شاة.
زكاة الثروة الزراعية
والزرع الذي تجب فيه الزكاة، هو ما نبت من الأرض مما زرعه الإنسان كالحبوب والتمر. وزكاة الزرع لا تجب حتى يبلغ ما زرع نصابا. والنصاب في نحو الحب هو خمسة أوسق، والوسق ما سعته خمس وستون لترا تقريبا. عدلوا عن الوزن إلى الكيل للاختلاف الحاصل في الثقل بين القمح والشعير مثلا، والمقدار الواجب فيه إن كان الإنتاج الزراعي مما يسقى من الآبار بالمضخات أو يسقى بالرشاشات ونحو ذلك، فالواجب فيه نصف العشر أي 5% من إنتاجه. أما الزرع البعلي الذي يسقى بماء المطر، أو بساقية متفرعة من نهر، أو نحو ذلك، فالواجب فيه عشر إنتاجه لقوله صلى الله عليه وسلم: ” فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثريا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر “.
زكاة الثروات المعدنية و البحرية
الثروات الطبيعية غير الزرع كثيرة منها المعادن سائلة كانت أو غير سائلة كالفسفاط، والفحم الحجري، والبترول، ويشترط لوجوب الزكاة فيها توفر النصاب، ومقدار النصاب فيها ما قيمته 85 جراما من الذهب فأكثر. وهو نصاب الأموال التجارية. أما مقدار الواجب في زكاتها فهو نصف العشر، كما هو الحال في الزراعة التي يبذل الزارع فيها المال في السقي.
مكان إخراج الزكاة
تخرج الزكاة في البلد الذي يكون فيه المال، لأن أهل هذا البلد هم الذين شاركوا في تنميته، فهم أولى الناس بزكاته، إلا أن يكون للرجل قريب فقير في بلد آخر، فيجوز أن ترسل الزكاة إليه، أو يكون مسلمون في بلد آخر في فقر مدقع، أو يقفون في وجه العدو..
مصاريف الزكاة
ذكر الله سبحانه وتعالى مصارف الزكاة في هذه الآية، حيث قال:﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ ( التوبة 60 ).
قسم الدكتور محمد روّاس قلعه جي الأصناف المذكورة في الآية قسمين: أصحاب الحاجات من جهة، ومن يقوم بحاجة من حاجات المسلمين من جهة.
ا- أما أصحاب الحاجات فهم:
الفقراء وهم الذين لا يملكون ما يكفيهم عاما.
المساكين وهم الذين لا يملكون كفاية يوم لقوله تعالى:﴿ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾.
الغارمون وهم الذين نزلت بهم مصائب لا يقوون على حملها، كمن احترق ماله التجاري وصار صفر اليدين، أو لزمته دية ليس عنده وفاء بها لقوله صلى الله عليه وسلم:” إن الصدقة لا تحل لغني، ولا لذي مِرّة (أي قوي) سوي، لا تحل إلا لذي فقر مدقع، أو غرم مفظع، أو دم موجع ” (الترمذي) أو الذي لزمه دين لا يملك وفاءه، أو الذي تحمل حمالة للإصلاح بين متخاصمين.
ابن السبيل وهو المسافر الذي فنيت نفقته، ولم يبق معه ما يبلغه بلده، وهذا يعطى الزكاة بقدر ما يبلغه بلده.
وفي الرقاب، حيث يعطي الرقيق المتطلع للحرية ولا يستطيع، وكذلك الأسير يعطى بدل فكاكه من الأسر.
ب- وأما القائمون بحاجة من حاجات المسلمين فهم كما ورد في الآية:
العاملون في حقل الزكاة، فهؤلاء يستحقون أجورهم العادلة لأعمالهم من صندوق الزكاة ولو كانوا أغنياء.
الذين يدافعون عن الإسلام وأهله بالسلاح أو الفكر، والذين يعملون على نشر الإسلام بين الكفار وتثبيت أركانه وهم المشار إليهم بقوله تعالى:﴿ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾.
المؤلفة قلوبهم، وهم الذين يندفع ضررهم للإسلام والمسلمين بدفع المال إليهم، سواء كانوا من غير المسلمين أو من المسلمين، وإن كان لا يجوز لهم أخذه. (انظر الموسوعة الفقهية الميسرة. محمد رواس قلعه جي)
زكاة الفطر
وهي واجبة لما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:” أن رسول الله، فرض زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين “. و”فرض” معناها عند جمهور العلماء من السلف والخلف: ألزم وأوجب، فزكاة الفطر فرض واجب عندهم، لدخولها في عموم قوله تعالى: ﴿ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ (البقرة 110).
حكمة مشروعيتها
والحكمة في إيجاب هذه الزكاة، ما جاء عن ابن عباس:” فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، زكاة الفطر طُهرة من اللغو، والرفث، وطُعمة للمساكين ” (رواه أبو داود).
ومعنى قوله طهرة للصائم، وطعمة للمساكين ” أن الله تعالى فرض على المسلم صيام رمضان، وأمره فيه بالإمساك عن الموبقات، والتفرغ للعبادات، ومهما حاول الإنسان أن يحفظ صومه من كل شائبة فلن يستطيع، ولذلك فرض الله تعالى زكاة الفطر تطهيرا للصوم مما يكون قد شابه من الموبقات، وشاء الحكيم أن ترصد زكاة الفطر لصالح الفقراء الذين من حقهم أن يؤمّن لهم الحد الأدنى من العيش في دولة الإسلام، وأن يكفوا هَمّ ضرورات العيش في يوم العيد، حتى يشاركوا الناس فرحة العيد، وقد طابت نفوسهم على الأغنياء، وقد قال عليه الصلاة والسلام:” أغنوهم في هذا اليوم ” (سنن الدار قطني ).
– وهذه الزكاة فريضة على الرؤوس والأشخاص من المسلمين، لا فرق بين حر وعبد، ولا بين ذكر وأنثى، ولا بين صغير وكبير، بل لا فرق بين غني وفقير.
والواجب في زكاة الفطر صاع على كل نفس، عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان بيننا رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاعا من طعام، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من زبيب، أو صاعا من أقط ( لبن محمض يجمد حتى يستحجر ويطبخ ) فلم نزل كذلك حتى قدم علينا معاوية المدينة، فقال:” إني لأرى مدين من سمراء الشام يعدل صاعا من تمر، فأخذ الناس بذلك ” ( رواه الجماعة ) .
نداء موجه من العلامة شلتوت إلى الأغنياء
أخيرا هل يمكننا ختم هذا المقال بهذا النداء الموجه من قبل العلامة الشيخ محمود شلتوت رحمه الله إلى الأغنياء، يقول:
” فهل لأغنيائنا أن يخرجوا هذه الزكاة الواجبة عليهم، ويصرفوها في مصالح الفقير فيستلوا حقده عليهم، ويصير عونا لهم، يحرس أموالهم، ويعمل على تنميتها، حتى يرفرف على الجميع الطمأنينة والسلام؟
هل لهم أن يخرجوا زكاة أموالهم، وينشئوا بها المصانع والمستشفيات التي لا تفي موارد الدولة بإنشائها، فتطهر الأمة من جراثيم المرض، ويخفف عنها ضغط هذا الجيش العاطل، الذي تبدو كتائبه في المتسولين الذين يملؤون الشوارع والأزقة، وفي المتشردين الذين يهددون الأمن ويقلقون راحة الجميع، وفي المتعطلين، وأنصاف المتعلمين وأشباههم ممن تطالعنا بإحصائهم في كل عام نتائج الامتحانات وكشوف المنقطعين عن طلب العلم؟
هل لهم أن يخرجوا زكاة أموالهم ليصلحوا من شأن هؤلاء، ويوجدوا لأمتهم رجالا عاملين في الحياة، يشعرون بالعزة والكرامة، ويشعرون بأنهم أعضاء حية من الأمة لها يعملون وعنها يسألون؟
هل لهم أن يضعوا أيديهم في أيدي العاملين ويتضامنوا معهم على إخراج نظام للزكاة والصدقات، به ينتشلون البلد من خطر الفقير والعاطل، فتطمئن الجماعة على حياتها، وتنتفع بأموالها وبنيها؟
… ثقوا أنه لا علاج لما نخشى أن يتسرب إلينا، سوى قطع دابر التفكير في المشكلة القائمة بين الفقير والغني، ولا يقطع دابر هذه الشكوى سوى قيام الأغنياء بما فرضه الله عليهم من زكاة أموالهم، وأن المال الذي يخرجه الأغنياء إلى الفقراء، هو في واقعه من الأغنياء إلى الأغنياء باعتبار فائدته، وما يعود عليهم من خير وصلاح وأمن واطمئنان ” ( من توجيهات الإسلام ص 102).
وخلاصة القول: هكذا يقدم القرآن وصفة علمية عملية لمعالجة مشكل الفقر في المجتمعات الإنسانية، قائمة من جهة على مراعاة الجانب التكويني الذي من طريقه تختلف الأرزاق، لاختلاف المواهب والقدرات، وقائمة في الوقت نفسه على مراعاة الجانب التشريعي، وذلك بجعله سبحانه حقوقا معلومة للفقراء والمحرومين، في أموال الأغنياء، من شأنها أن تفضي إلى نوع من التماسك الاجتماعي، بحكم أن الإنسان بطبعه اجتماعي، عدواني…
0 تعليق