تعتبر مدينة آسفي، الواقعة على الساحل الأطلسي، واحدة من أهم الوجهات السياحية في المغرب، إذ تتميز بتاريخ عريق يمتد قرونا طويلة، إضافة إلى طبيعتها الساحرة التي تجمع بين البحر والجبل، مما يجعلها وجهة مثالية للسياح المغاربة والأجانب على حد سواء.
وبفضل موقعها الجغرافي وما تزخر به من مؤهلات طبيعية وتاريخية، تشكل مدينة آسفي (عاصمة عبدة) نقطة جذب فريدة لعشاق التراث والثقافة، إذ تحتضن معالم تاريخية بارزة مثل القصبة العتيقة، وكاتدرائية البرتغاليين، وقصر البحر، وغيرها من المعالم التي تعود إلى فترات تاريخية مختلفة.
كما تتمتع بأراض خصبة تطل على المحيط الأطلسي، مما يمنحها مناظر طبيعية خلابة تجمع بين الشواطئ الرملية والتلال الخضراء. وتعرف أيضا بصناعة الخزف التقليدي، الذي يعد أحد أبرز رموزها الثقافية والتراثية. ولا تقتصر هذه الصناعة على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمثل جزءا من هوية المدينة وتراثها الذي يجذب السياح الذين يأتون لمشاهدة هذه الحرفة العريقة واقتناء قطع خزفية فريدة.
ورغم هذا الجمال الفريد والمغري، تواجه المدينة تحديا كبيرا قد يشوه صورتها السياحية، وهو الانتشار المقلق لظاهرة التسول أو ما يعرف محليا بـ”السعاية”. هذه الظاهرة بدأت تأخذ أبعادا مثيرة وغير مسبوقة، إذ أصبح من النادر أن يتجول الزائر في شوارع المدينة وأزقتها دون أن يواجه متسولين من مختلف الأعمار، من أطفال ونساء ورجال، إلى جانب تزايد أعداد المتسولين من مواطني دول أفريقيا جنوب الصحراء.
ويرى عدد من الفاعلين المدنيين في مدينة آسفي أن ظاهرة التسول لم تعد تقتصر على المناطق الشعبية أو الأحياء الفقيرة، بل امتدت إلى المناطق السياحية الرئيسة مثل الكورنيش والأسواق العتيقة، وحتى أمام الفنادق والمطاعم. هذا الانتشار الواسع بات يزعج السياح ويعطي انطباعا سلبيا عن المدينة، مما قد يؤثر على تدفق الزوار ويشوه الصورة الجميلة التي تسعى آسفي لترسيخها باعتبارها وجهة سياحية متميزة.
في ضوء هذه التطورات تتزايد الأصوات المطالبة بتدخل السلطات المحلية والأمنية والنيابة العامة بالمحكمة الابتدائية لآسفي لاتخاذ إجراءات صارمة للحد من انتشار ظاهرة التسول. ويعتقد العديد من الفاعلين الجمعويين أن معالجة هذه المشكلة تتطلب تضافر جهود مختلف المؤسسات لمواجهة أسباب التسول، والبحث عن حلول اجتماعية وإنسانية بديلة لهؤلاء الأشخاص.
عبد الرحيم الهاشمي، فاعل جمعوي بمدينة آسفي، يشير إلى أن “ظاهرة التسول أصبحت ظاهرة مقلقة لا تمس فقط جمالية المدينة، بل تؤثر سلبا على السياحة المحلية”، مضيفا “نحن نطالب السلطات بتفعيل القانون ومعالجة هذه الظاهرة بطرق إنسانية، من خلال توفير مراكز إيواء وأعمال مدرة للدخل للفئات المتضررة”.
من جانبه، أكد مصدر مسؤول أن “السلطة الإقليمية الجديدة تعمل جاهدة على مواجهة هذه الظاهرة، لكن الأمر يتطلب تضافر جهود مختلف الجهات”، مشيرا إلى أن “هناك خططا لإطلاق حملات توعية ومبادرات اجتماعية، إضافة إلى تعزيز التدخلات الأمنية في المناطق السياحية”.
ويرى الهاشمي أن معالجة هذه الظاهرة بشكل فعال تتطلب تعزيز الوجود الأمني في المناطق السياحية والمراكز الحيوية للحد من انتشار المتسولين وضمان راحة الزوار، مشددا على ضرورة تطبيق القوانين بصرامة ضد المتسولين العائدين إلى ممارسة التسول لحماية صورة المدينة وسمعتها.
من جهتها، قالت كريمة بلعمام، فاعلة حقوقية بالمدينة، إن من الضروري تنظيم حملات توعوية تستهدف المتسولين لتشجيعهم على الابتعاد عن التسول والبحث عن حلول بديلة، داعية في الوقت نفسه إلى توعية المواطنين بعدم تشجيع التسول من خلال الامتناع عن تقديم المال للمتسولين، والتوجه بدلا من ذلك إلى الجمعيات المحلية التي تقدم الدعم الاجتماعي المستدام.
وأضافت بلعمام، في تصريح لهسبريس، أن التعامل مع المتسولين يجب أن يأخذ بعين الاعتبار ظروفهم الاجتماعية، لكن في المقابل يجب تطبيق القانون بحزم على الشبكات المنظمة، التي تستغل الفقر والتسول كوسيلة لتحقيق مكاسب غير مشروعة، مؤكدة أن “محاربة هذه الظاهرة تقع على عاتق النيابة العامة، التي يجب أن تحرك المصالح الأمنية والسلطات المحلية لتحرير محاضر رسمية في حق المتسولين، وإحصائهم بشكل دقيق، وفي حالة العود ينبغي متابعة المتورطين قضائيا وفقا للقوانين المعمول بها لضمان مواجهة فعالة لهذه الظاهرة”.
من جانبها، أبرزت مصادر من السلطة المحلية أن هناك توجها متزايدا لتطبيق القانون بصرامة فيما يتعلق بظاهرة التسول، مع التركيز على تفكيك الشبكات التي تستغل الأطفال والنساء في هذا النشاط غير القانوني، مشيرة إلى أن “السلطة الإقليمية، ممثلة في عامل الإقليم الجديد، فتحت هذا الملف مؤخرا، وهناك استعداد لإطلاق حملات أمنية واسعة النطاق، تحت إشراف النيابة العامة، لمحاربة كل الظواهر المشينة التي تسيء لسمعة مدينة آسفي”.
وقال عدد من الفاعلين الحقوقيين، في تصريحات متطابقة لهسبريس، إن معالجة ظاهرة التسول في آسفي تتطلب مقاربة شاملة تجمع بين البعد الأمني والاجتماعي، مشيرين إلى أنه يجب، من جهة، تعزيز التدخلات الأمنية لمحاصرة الظاهرة، ومن جهة أخرى توفير بدائل اجتماعية للمتسولين من خلال تحسين ظروفهم المعيشية وتوفير فرص عمل لهم.
وتظل مدينة آسفي واحدة من أجمل المدن الساحلية في المغرب، بطبيعتها الخلابة وتراثها العريق، ومع ذلك فإن الحفاظ على جاذبيتها السياحية يتطلب معالجة سريعة وشاملة لظاهرة التسول، التي تشوه صورتها في أعين الزوار وتترك انطباعات سلبية عنها، يقول إبراهيم حنافي، فاعل في المجال الحقوقي بالمدينة، مؤكدا أن الحلول لا يجب أن تكون فقط أمنية، بل أن تركز أيضا على تقديم الدعم الاجتماعي والاقتصادي للفئات الهشة، مما يعزز استقرار المدينة ويحافظ على سمعتها كوجهة سياحية متميزة.
0 تعليق