احتفى مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابى برئاسة المخرج مازن الغرباوى، بالأكاديمى والمخرج جلال الشرقاوي وإطلاق اسمه على الدورة التاسعة، التى أقيمت فى الفترة من 15 حتى 20 نوفمبر الماضي، بمدينة شرم الشيخ فى محافظة جنوب سيناء.
بهذه المناسبة أصدر المهرجان كتابا يحمل عنوان «جلال الشرقاوى.. ومضات ومواقف» من إعداد وتأليف الدكتور مدحت الكاشف عميد المعهد العالى للفنون المسرحية السابق بأكاديمية الفنون، ضمن إصدارات الدورة التاسعة، تقديرا وتخليدا لمسيرة الأكاديمى الذي لن تتكرر موهبته الإبداعية.
هذا الكتاب ليس تأريخا أو سردا لسيرة جلال الشرقاوى، لكنه محاولة الكشف عن بعض ومضات من حياته وشخصيته وفنه ومسرحه وفكره، بوصفه شخصية إبداعية استثنائية متفردة كرجل مسرح.
التقت «البوابة نيوز» مؤلف الكتاب، للتعرف على علاقته العلمية والعملية بالأكاديمية، وأيضا عن المواقف التى جمعت بينهما، والمسرح فى حياتهما.. إلى نص الحوار...
- ماذا يمثل المخرج جلال الشرقاوى فى حياة الدكتور مدحت الكاشف؟
- يعد الدكتور جلال الشرقاوى أستاذى، وأبا روحيا، وصديقا عزيزا، ومرجعى العلمى والإبداعى، لقد كان له دور كبير فى تشكيل شخصيتى الإنسانية والعلمية والإبداعية، قضيت تقريبا ثلثى عمرى فى صحبته، مما أثرى تجربتى وأثر فى حياتى بشكل عميق.
- "جلال الشرقاوى.. ومضات ومواقف" لماذا تم اختيار هذا العنوان تحديدا للكتاب؟
- لقد فكرت كثيرا فى اختيار عنوان يليق بهذا الكاتب الكبير، فمن الطبيعى أن تُطلق على الأشخاص ألقابا مثل: أستاذ الأجيال، أستاذ الأساتذة، المُعلم، الرائد، وغيرها من الألقاب التى يستحقها الدكتور جلال الشرقاوي، لكن بما أن هذه الألقاب أصبحت مألوفة ومستخدمة بكثرة، رأيت أن اسم جلال الشرقاوى وحده هو اسم فخم بما فيه الكفاية ليعكس مكانته الحقيقية، ففخامة الاسم تكفى لتدل على من هو جلال الشرقاوى، ومن هنا قررت أن أرسم بورتريه لشخصيته من الداخل، وذلك من خلال الومضات والمواقف التى عشتها وعاينتها بنفسى، وكانت كفيلة بأن تكشف عن الشخصية الحقيقية التى عرفتها عن كثب.
- وماذا يضم هذا المنجز بين دفتيه؟
- أن تُكلف بكتابة بضع صفحات فى حق عملاق كالأستاذ جلال الشرقاوى، فأنت فى مأزق كبير، إذ لن تسعفك الصفحات مهما وصل عددها للوصول إلى مبتغاك، فربما يحتاج الأمر مجلدات تحوى آلاف الصفحات، لتغطية تفاصيل غزيرة وفيض صعب تتبعه خاصة أنه هو نفسه كتب سيرته الذاتية فى عدة مجلدات تتجاوز الألف صفحة غطى فيها كل شىء فى حياته وفنه ومسرحه، ولم يترك لنا معلومة إلا وقد ذكرها بكل تفاصيلها، ويضاف إلى ذلك فإن القارئ لتلك المذكرات التى تحوى سيرته الذاتية، ما إن يشرع يقرأ فيها، فيجد نفسه في حالة من المتعة غير الطبيعية من زخم الأحداث والحيوات التى عاشها الأستاذ جلال الشرقاوى، لكن كان لا بد أن أسرد هنا بعض الوقائع التى جمعتنى معه عبر سنوات طويلة، لعلها تسهم في رسم صورة مقربة للأستاذ جلال الشرقاوى، الذي عايشت جوانب مهمة من حياته الإنسانية والعلمية والمسرحية.
ربما كانت دراسته للكيمياء - فى مقتبل شبابه - وهى العلم الذى يدرس المادة والتغيرات التى تطرأ عليها عبر دراسة خواصها، بنيتها، تركيبها، سلوكها، وتفاعلاتها، عظيم الأثر عندما وظف أسسها فى إبداعه الفنى، وهو ما تجلى فى تركيبة صناعة العرض المسرحى عنده والذى نهض على العلاقات التى تتشابك فى تناغم إيقاعى واحد بين عناصر العرض الإبداعية، التى جعلت منه مخرجا متفردا يمتلك أدوات إبداعية ثرية لا نهائية، إلى جانب وعى فكرى يستند إلى التحليل العلمى المنطقى والكيميائى فى آن واحد، ليشكل منهما جماليات تستند إلى فلسفة الجمال، والخيال الخصب للمنتج الإبداعى، أو للقطعة الفنية التى بين يديه وقد تنازعت بداخله أثناء الاشتغال عليها شخصيتان أولاهما حضوره الظاهرى الحى، والثانية تلك الشخصية التى تحتفظ بترسانة لا نهائية من الأفكار والمعتقدات والقناعات والمبادئ والقدرات الكامنة، والخيال، والحس الجمالى، والتحليلى وما اختزنه من أسس معرفية وفلسفية، ودوافع داخلية، وما إلى ذلك من عناصر لا يمكن ملاحظتها، فضلا أنه لم يبح بها، لكننا نرى نتائجها من خلال عمله الإبداعى فور صياغته وتشكيله فى صور جمالية مدهشة.
- ما أبرز المواقف التى جمعت بينك وبين المخرج جلال الشرقاوى؟
- جمعتنى مواقف بالدكتور جلال الشرقاوى كانت غالبا خلافية، وقد تصل أحيانا إلى ذروة الخلاف، لكن ما يميز تلك اللحظات هو أنه كان يعود بحنان الأب والمُعلم المتفرد، ليحتوينى ويعطينى درسا أبويا يجمع بين علاقة الأب ونجله، كانت حياتنا تسودها أجواء من الحب، لكن بالطبع لم تخل من لحظات الخلاف المستمر بيننا فى الرأى أو حول موضوعات بسيطة، سواء فى إحدى المحاضرات أو فى التعريفات العلمية والأفكار، فكان له توجهات مسرحية قد تختلف عن قناعاتى، فنختلف أحيانا ونتصادم فى الآراء، لكن وفى أحيان أخرى، يعود بعد فترة ليقول: «أنا قرأت، وأنت كنت على حق» أو العكس، فدائما يسعى لإقامة أواصر التواصل بينه وبين الآخرين، ومن المؤكد أنه لا يوجد فنان فى مصر لم يمر على مدرسة جلال الشرقاوى.
- إذا كان المخرج جلال الشرقاوى عايش بيننا الآن.. فماذا تحب أن تقول له؟
- أنت لم ترحل عنا، فالدكتور جلال الشرقاوى مثل الأشجار التي تموت واقفة، وتظل تلقى بظلالها وثمارها على الأجيال القادمة، أعتقد أن أثره سيمتد لسنوات طويلة قادمة، أكثر مما عاش، لأنه بالفعل ترك بصمة كبيرة فى حياتنا، فهو لن يرحل أبدا، بل سيبقى حيا فينا وفى أعماله.
- كيف ترى التجارب الشبابية المسرحية الآن؟
- الشباب هم الأمل فى الإصلاح، وكانت حركات الإصلاح دائما على أيديهم، جيل الكبار الذين خلدت أعمالهم كانوا فى يوم من الأيام شبابا، ففى الدورة التاسعة لمهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابى، برئاسة المخرج الشاب مازن الغرباوى، نجد أن فترة شباب الدكتور جلال الشرقاوى كانت محورية فى إنجازه الكبير، عندما حصل على فرصة إخراج عمل احترافى لأول مرة، لم يعجبه النص، فاعترض على تقديمه رغم ضغوطات وقتها، وبعد أسبوعين، استدعاه المخرج سيد بدير لتقديم نص آخر «الأحياء المجاورة» للكاتب أنيس منصور، وهو نص غريب على المسرح المصرى، وبعد أن فكر فى فاتن حمامة، اختار الفنانة سناء جميل والفنان حمدي غيث، ليكتبوا معه شهادة ميلاده الإخراجية فى المسرح.
- ماذا يمثل المسرح فى حياة الدكتور مدحت الكاشف؟
- المسرح هو حياتى، ومنذ أن أصبح دورى الأساسى هو تعليم الطلاب فن المسرح على حقيقته، أدركت أن المسرح هو الأمل الذى يبقى فى حياتنا الثقافية والإبداعية، حاولت دائما نقل قناعاتى لهم، والسعى لتوفير أفضل الفرص لتوفيقهم فى هذا المجال.
- الرسالة الذى يوجهها الدكتور مدحت الكاشف لشباب المخرجين؟
- لا تتنازلوا عن أحلامكم، بشرط أن تكون هذه الأحلام متوافقة مع قدراتكم، أطلقوا العنان لخيالاتكم، ووجهوا طموحاتكم نحو تحقيق آفاق بعيدة فى عالم الإبداع، فالباب مفتوح دائما أمام كل مجتهد.
0 تعليق