بدا أن هناك نوعا من التوافق بين التنظيمات المدافعة عن نقل المركبات الخاصة للمغاربة بواسطة تطبيقات النقل الذكية وتلك الرافضة له، الممثلة لأرباب وسائقي سيارات الأجرة، على “صعوبة انخراط الأخيرة في الوقت الحالي في اعتماد النقل بواسطة هاته التطبيقات، نظراً لعدة إكراهات، على رأسها تعدد المتدخلين في هذا القطاع، من أصحاب مأذونيات ومستغلين، فضلا عن السائقين المهنيين”.
هذه التنظيمات كانت تتفاعل مع دعوة وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، ولاة وعمال المملكة، إلى مواصلة الجهود المبذولة، “لملاءمة وتشجيع اعتماد التكنولوجيات وأنظمة التدبير الحديثة لتوفير خدمات نقل بواسطة سيارات الأجرة تلائم احتياجات مختلف فئات الزبائن؛ لاسيما من خلال مواكبة ودعم المبادرات الهادفة لتوفير الحجز المسبق أو الفوري لسيارات الأجرة باعتماد شبابيك الحجز ومراكز النداء والمنصات الرقمية وتطبيقات الهاتف النقال”.
وشددّ لفتيت، في دورية حديثة له تضمنت تعليمات إلى المسؤولين الترابيين أنفسهم، بغرض تحسين جودة خدمات النقل عبر سيارات الأجرة، على ضرورة “الحرص بالموازاة مع ذلك على تعزيز المراقبة بتنسيق مع المصالح الأمنية المختصة على أنشطة نقل الأشخاص الممارسة بصفة غير قانونية، ودون الحصول على التراخيص الضرورية”، داعيا في هذا الصدد إلى “التفعيل الأمثل للتعليمات الموجهة من خلال الدورية عدد 19959 بتاريخ 1 نونبر 2022 حول النشاط غير القانوني لنقل الأشخاص باعتماد التطبيقات الإلكترونية”.
وفيما ترى النقابات المدافعة عن النقل عبر التطبيقات الذكية أن “صعوبة نجاح سيارات الأجرة في الانخراط في هذه التطبيقات راجعة إلى الغياب المرتقب لالتزام المهنيين برحلات النقل عبرها، لأن أداء ‘الروسيطا’ يجعلهم مضطرين إلى ‘الراكولاج’ (نقل أكثر من زبون)، ما يتعارض مع رغبة مرتفقي خدمة النقل بواسطة التطبيقات، فضلاً عن تهالك أسطول سيارات الأجرة”، تلفت النقابات المعارضة إلى أن “العائق أمام هذا النجاح هو ‘الروسيطا’ التي يتسبب فيها ريع المأذونية وعدم توفر رخص مباشرة للسائقين”.
صعوبة النجاح
طارق دريوة، المنسق الوطني لقطاع المقاولين الذاتيين بالنقابة الديمقراطية للنقل، قال إن “النقابة من خلال تواصلها المستمر والدائم مع مجموعة من الشركات العالمية الرائدة في مجال النقل باعتماد الوسائل الحديثة، وعلى رأسها التطبيقات الذكية، وكذا لمواكبتها الدائمة أوضاع قطاع سيارات الأجرة، يتضح لها أنه ستكون هناك حظوظ قليلة لنجاح النقل عبر هذه التطبيقات من قبل سيارات الأجرة”.
وأوضح دريوة، في تصريح لهسبريس، أن “استحالة نجاح النقل عبر التطبيقات في قطاع سيارات الأجرة راجع للإكراهات العديدة التي يواجهها القطاع، على رأسها العمل بما يسمى نظام ‘الروسيطا’، الذي يجعل السائق المهني مضطرا لأداء مصاريف يومية لعدة متدخلين، ضمنهم المستغل وصاحب المأذونية، ما يجعله غير قادر على النقل بأريحية والتزام عبر التطبيقات الذكية”.
وتابع المتحدث ذاته: “السائق المهني في حال اشتغل بواسطة التطبيقات الذكية قد يصادف في رحلته لإقلال زبون حجز عبر التطبيق زبائن على الطريق فيقلهم أولاً، خصوصا أن سائقي سيارات الأجرة يحبذون فكرة ‘الراكولاج’ (حمل أكثر من زبون)، في وقت تعارض في النقابة هذا الأمر، لأنه يعوق تحسين جودة الخدمات، فضلا عن أن محبذي النقل عبر التطبيقات غالبا ما يفضلون نقلهم لوحدهم”.
ولفت المهني عينه إلى إكراه آخر، يتمثل “في كون غالبية سيارات الأجرة الموجودة في المغرب مهترئة؛ بينما النقل عبر التطبيقات الذكية في كافة دول العالم، وكما يأمل المواطنون، يتم من خلال سيارات عالية الجودة، ما يساهم في تجويد خدمة النقل”، مردفا بأنه “في ظل تهالك أسطول هذه السيارات يصعب أن ينجح النقل بسيارات الأجرة عبر التطبيقات أو أن يكون قادرا على التماشي ورغبات الزبائن المرتقب توافدهم بقوة خلال تنظيم المغرب التظاهرات الرياضية العالمية المقبل عليها”.
وأشار دريوة كذلك إلى أن “عددا مهما من السائقين المهنيين لا يتوفرون على هواتف حديثة ذكية، ما يصعب عليهم النقل عبر التطبقيات، إلى جانب كون بعضهم كبارا في السن وغير قادرين على الاشتغال بواسطة هذه التطبيقات”.
وأكد المتحدث ذاته أنه “في إطار تسهيل الخدمات للزبائن يجد مستخدو تطبيقات النقل كافة معطيات السائق على التطبيق، ما يمكنهم من وضع شكاية رقمية في حق أي سائق ارتكب تجاوزات في حقهم؛ وغالبا ما يعقبها اتخاذ الإجراءات اللازمة في حق المعني بأقرب وقت ممكن”.
بينما في المقابل، يواصل دريوة، “يجد زبائن سيارات الأجرة صعوبة في التنقل إلى مكاتب التنقيط من أجل وضع شكايات في حق سائقي سيارات الأجرة الذين يرتكبون تجاوزات في حقهم، الأمر الذي يفسر ضعف عدد الشكايات المقدمة بهذه المكاتب، رغم كثرة التجاوزات من قبل بعض المهنيين”.
الانخراط بشروط
مصطفى الكيحل، الكاتب العام للاتحاد الديمقراطي المغربي للنقل، شددّ بدايةً على أن “إحالة وزير الداخلية في دوريته الأخيرة على التعليمات التي كان وجهها في دورية سابقة، في نونبر 2022، بشأن عدم قانونية النقل السري بواسطة التطبيقات، هو بمثابة دعوة للولاة والعمال لتحمل مسؤوليتهم وبذل مزيد من الجهود لمحاصرة هذه الظاهرة، لأنها بقيت خلال السنة الماضية غير واضحة”.
وتأسف الكيحل، في تصريح لهسبريس، “لكون المهنيين الذين يدافعون عن حقهم في تنزيل مقتضيات دورية نونبر 2022، أمام استفحال فوضى النقل عبر التطبيقات الذكية، تتم متابعتهم ويزج بهم في السجون”، وفق تعبيره.
وأوضح الكاتب العام للاتحاد الديمقراطي المغربي للنقل أن “المهنيين على أتمّ الجهوزية للانخراط في النقل عبر التطبيقات الذكية، فهم لا يرفضون هذا الإجراء الذي من شأنه تأهيل وتطوير خدماتهم المقدمة وتنمية مداخليهم؛ وذلك حتى قبل أن توجه الداخلية أو الحكومة أو العمال والولاة لهم أي توجيهات بهذا الصدد”، لافتا إلى “وجود عدة سائقي سيارات أجرة منخرطين حاليا في النقل عبر التطبيقات الذكية؛ فهذا أمر يفرض نفسه في العمل”.
واستدرك المتحدث عينه بأن “نجاح النقل عبر التطبيقات الذكية في سيارات الأجرة سيواجه صعوبة، لكون القطاع يتسم بغياب تراخيص مباشرة للسائق المهني، وريع المأذونية، التي يتوفر عليها أشخاص بعيدون عن القطاع ولا يساهمون بأي صيغة في الاقتصاد”، موضحا أن “غلاء ‘الروسيطا’ التي يدفعها المهنيون لأصحاب المأذونية يحول دون اشتغالهم بواسطة هذه التطبيقات”.
ودعا المهني عينه، في هذا الصدد، “وزارة الداخلية إلى النظر بجدية ومسؤولية مع مسألة تجويد الخدمات في القطاع، من خلال التفاوض مع نقابات المهنيين لأجل منحهم التراخيص المباشرة على غرار القطاعات الأخرى، والتدخل لحل المشاكل القائمة بينهم وبين المستغلين؛ فمن غير المعقول مطالبة المهنيين بتسوية مشاكلهم بأنفسهم”.
0 تعليق