سلطت ورقة بحثية نُشرت ضمن العدد الأول من المجلة الدولية للدراسات الأمازيغية الصادرة عن “المركز الديمقراطي العربي” الضوء على بعض المظاهر الاحتفالية في الثقافة الأمازيغية المغربية بهدف الكشف عن أهميتها باعتبارها أفقا للتدريس من خلال المقررات الدراسية، مؤكدة أن “الثقافة الأمازيغية تزخر بمجموعة من الطقوس والعادات والممارسات؛ ما يجعلها ذات أهمية ومحط أنظار مختلف الباحثين والمهتمين… إذ باتت المسؤولية تقتضي جعل التلاميذ يصونون هويتهم ويحافظون على الذاكرة الجماعية للإنسان المغربي المتجسدة في طقوسه وممارساته الثقافية”.
وأوضحت الورقة المعنونة بـ”بحث مظاهر الاحتفال في الثقافة الأمازيغية بين الثراء الثقافي ورهان التدريس بالمغرب” لكاتبها محمد امسهيد، باحث في سلك الدكتوراه بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن “المتأمل في تاريخ الإنسان الأمازيغي المغربي يدرك تماما مدى قدرته على مراكمة عادات وتقاليد مختلفة، بعضها محلية وأخرى مستوردة”، مسجلة أن “المغاربة الأمازيغ ظلوا محافظين على مجموعة من هذه الطقوس من خلال ممارستها وأحيانا تقديسها ونقلها عبر الأجيال”.
وتستحضر الورقة التاريخ لتؤكد أن “الأمازيغ استوطنوا شمال إفريقيا، أو ما كان يُسمى بمنطقة تامازغا المحاذية لحوض البحر الأبيض المتوسط شمالا وشرقا، والمجاورة للصحراء الكبرى جنوبا، وكانت تامازغا ممتدة من موريتانيا والمحيط الأطلسي غربا إلى حدود مصر وشمال السودان شرقا، ومن شريط المتوسط شمالا إلى النيجر ومالي وبوركينافاسو جنوبا”، مسجلة أن الثقافة الأمازيغية انتعشت بعد فترة من الانعزال والانطواء؛ وذلك بفعل مثاقفتها واحتكاكها مع الشعوب والحضارات التي استقرت في حوض المتوسط كالحضارة الفينيقية والقرطاجية والفرعونية واليونانية واللاتينية وصولا إلى الحضارة العربية الإسلامية.
وبيّن الكاتب ذاته أن “الأمازيغ دأبوا على ممارسات وأفعال وطقوس موسمية تذكرهم بأشياء أو أحداث جرت في الماضي وتركت آثارا في نفوسهم، حيث يسعون من خلال إحياء هذه الاحتفالات إلى ترسيخ ذكراها وتوريثها إلى الأجيال والحفاظ على رمزيتها دون تحريف. فرغم ما قد يلحقها من تعديل، يبقى جوهرها ثابتا”، مشيرا إلى أن مسألة الاحتفال في الثقافة الأمازيغية تنطوي على دلالات أنثروبولوجية تتجلى في رمزية احتفاء الإنسان الأمازيغي بعنصر الأرض باعتبارها منبع الحياة، ودلالات تاريخية تتجلى في كون هذه الطقوس ضاربة في عمق التاريخ.
ومن أبرز الطقوس التي يحتفل بها الأمازيغ هو احتفال “إيض إيناير”، إذ أكدت الورقة ذاتها أن “الأسطورة الأمازيغية تروي أن عجوزا تمتلك قطيعا من الماعز، اشتد عليها فصل الشتاء ببرده الشديد وكثرة الأمطار، فقررت يوم 13 يناير الخروج بقطيعها متحدية قوى الطبيعة وقساوة المناخ، فغضب شهر يناير وطلب من فبراير أن يعطيه يوما واحدا حتى يعاقب العجوز على جرأتها، فتخلى له هذا الشهر الأخير عن يومين، فأبانت الطبيعة خلالهما عن قسوتها وجبروتها، فتجمدت العجوز رفقة قطيعها… وتخليدا لذكرى العجوز الشجاع، يحتفل الأمازيغ في 13 يناير ببداية السنة الفلاحية”، الذي يعد تقليدا قائما في بلاد المغرب الكبير وإن اختلفت مسمياته.
ومن هذه الطقوس أيضا “حفل باشيخ” الذي “يعد من الطقوس التي واصلت الحياة في ظل الإسلام، وهو تحوير لطقس “باخوس” الذي يحتفل به في عدة جهات من البلاد المغربية في مناسبات متعددة”، إذ أكد المصدر ذاته أن “هذا الطقس في الريف الغربي يتضمن عرضين: الأول موسيقي يقدمه شباب القرية الذين يتهيؤون للحفل في مغارة محاذية للمسجد، وعرض تمثيلي يقدمه نفس الشباب بعد التنكر بالأصباغ وارتداء ملابس وأزياء خاصة قبل التوجه نحو المزارات المقدسة والأضرحة لتقديم التحية لهم والتماس بركتهم”.
كما أشارت الورقة إلى طقس الاستسقاء الذي يسمى بـ”تاغنجا/ تسليت أونزار” واحتفال “بوغانيم”، مشددة على الحاجة إلى صون وتثمين الثقافة الأمازيغية الغنية والأصيلة ورد الاعتبار للمكون الأمازيغي في الثقافة الوطنية وإدراجه في كتب التاريخ، مع العمل على إدماج الثقافة الأمازيغية في المسارات الدراسية، إضافة إلى ضرورة فتح نقاش وطني تعددي حول الهوية والانتماء، خاصة في ظل وجود عدد من المحاولات التي تستهدف الوحدة الترابية والأمن الثقافي والانتمائي الهوياتي للمغاربة.
وأوصت بالعمل على رفع جودة التكوين داخل المراكز الجهوية بالنسبة للمدرسين الجدد، وتحسيسهم بأهمية الثقافة الأمازيغية في تحصين الهوية المغربية، واهتمام المدرسين بالتكوين الذاتي والمستمر لتعزيز رصيدهم المعرفي فيما يخص التراث الأمازيغي، ثم تشجيع المتعلم على البحث في هذا الجانب، إضافة إلى تدعيم المكتبة المدرسية بكتب علمية وأدبية خاصة بالثقافة الأمازيغية.
0 تعليق