توجه المؤرخ الفرنسي إلى ألمانيا لحضور مناظرة حول كتابه الجديد "تاريخ القدس"، ففوجئ بإلغاء الفعالية.. "تعكس هذه الحادثة حالة التوتر التي تسود ألمانيا حول كل ما يتعلق بإسرائيل، خاصةً منذ هجمات ٧ أكتوبر ٢٠٢٣" حسبما قال المؤرخ الفرنسي فنسنت لومير، الأستاذ بجامعة جوستاف إيفل فى مارن لا فاليه، مؤلف الكتاب الناجح تاريخ القدس (بالاشتراك مع كريستوف جوتييه).
وعندما دُعى إلى مناظرة لتقديم النسخة الألمانية من كتابه (الذى بيع منه أكثر من ٣٠٠ ألف نسخة فى فرنسا وتُرجم فى عشر دول)، علم فى نفس اليوم، عندما كان فى برلين بالفعل، أن الحدث قد تم إلغاؤه، بعد أن تم الاتفاق على تنظيم المناقشة من قبل مركز أورانيا، وهى جمعية ثقافية وتعليمية. واشترى حوالى خمسين شخصًا تذاكر لحضور الأمسية.
ولتبرير إلغاء الحدث، قالت جوانا سبرونديل، رئيسة مركز أورانيا، إن أحد المتحدثين انسحب وأنه لم يكن من الممكن العثور على بديل فى الوقت المناسب. وأوضحت قائلة: "لقد قررنا إلغاء الأمسية لأن الشكل الأولى للمناقشة لم يعد ممكنًا، فبالنسبة لإصدار كتاب، يتضمن برنامجنا دائمًا مناقشة حول النشر، إن أمكن فى شكل متناقض أى بحضور وجهة نظر مخالفة للمؤلف".
وكان المتحدث المدعو للمشاركة هو فولكر بيك، النائب السابق عن حزب الخضر فى البوندستاج (١٩٩٤-٢٠١٧)، والذى يرأس الجمعية الألمانية الإسرائيلية منذ عام ٢٠٢٢. ولم يقدم تفسيرًا علنيًا لأسباب اعتذاره. لكنه كتب فى رسالة بالبريد الإلكترونى إلى الجمعية: "لسوء الحظ، أنا مجبر على إلغاء حضورى المناظرة بسبب الموقف الحالى المهووس إلى حد ما للمؤلف"، منتقدًا النهج "غير الموضوعى" للمؤرخ الفرنسى.
كان فولكر بيك يود تحريك النقاش حول مذكرات الاعتقال التى أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، فى ٢١ نوفمبر، بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، فيما انتقد فنسنت لومير الموقف الفرنسى المتمثل فى منح الحصانة للزعيمين الإسرائيليين، رغم قرار المحكمة الجنائية الدولية.
وأصر فولكر بيك على أن "الصيغة المعلنة للمناظرة لا تعمل فى السياق المناسب له" واتهم المؤرخ الفرنسى بالدفاع عن مواقف تنتقد الحكومة الإسرائيلية "بشكل مبالغ فيه"، وأوضح منظمو الأمسية، التى كان من المقرر أن يديرها الباحث الأدبى كريستيان ولين، التابع للجامعة العبرية فى القدس، أنه ليس من المتصور أى تغيير فى محتوى المناقشة.
وألقى الناشر الألمانى وجمعية أورانيا اللوم على بعضهما البعض فى إلغاء المناقشة. قال إدموند جاكوبي، ناشر فنسنت لومير فى ألمانيا: "إنه من حق فولكر بيك أن يتنازل، لكننى أجد أنه من المخزى أن تقوم أورانيا بإلغاء الأمسية، خاصةً أن الصيغة المتفق عليها فى البداية لم تكن تنص على وجود رأى مخالف". وأضاف إدموند جاكوبى أن هذا الحادث يعكس قبل كل شيء "جوًا غير عقلانى إلى حد ما فى ألمانيا بشأن هذه المسألة، وهو أمر مؤسف للغاية"، وتابع قائلًا إن "نهج فنسنت لومير متوازن وعقلانى تمامًا، ولهذا السبب قررنا نشره".
أجواء "غير عقلانية"
تجري الأحداث فى مناخ متوتر للغاية فى دولة لديها حساسية خاصة تجاه أى خطاب يتعلق بالدولة اليهودية بسبب مسئوليتها فى المحرقة. لقد رفعت ألمانيا أمن إسرائيل إلى مرتبة تتعلق بضمان وجود الدولة، وتعتبر أى انتقاد يتعلق بالدولة الإسرائيلية معاداة للسامية. فى ٧ نوفمبر، اعتمد البوندستاج قرارًا ضد معاداة السامية يربط بين حماية اليهود والدفاع عن إسرائيل.
ومع ذلك، فإن عقيدة برلين تجاه إسرائيل، والتى تتقاسمها الطبقة السياسية بأكملها، تقسم المجتمع الألمانى الذي، كما هو الحال فى الدول الغربية الأخرى، يتعرض لموجة من الاحتجاجات ضد ممارسات إسرائيل منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣. ويعيش حوالى ٥.٥ مليون مسلم فى ألمانيا، والتى تواجه أيضًا صعود قوى اليمين المتطرف. وتضاعفت الهجمات ضد الجالية اليهودية منذ عام ٢٠٢٢، كما أحبطت السلطات الألمانية عدة محاولات لشن هجمات ضد ممثليات إسرائيل فى برلين وميونيخ فى الأشهر الأخيرة.
0 تعليق