وجد بعض رؤساء الجماعات الترابية خلال الأسابيع الماضية أنفسهم مرغمين على ترك مناصبهم التي شغلوها منذ سنة 2021 بفعل مقررات للمحاكم الإدارية، بناء على إحالات من سلطات الوصاية يرتبط مضمونها بتوضيحات بخصوص “ارتكابهم مخالفات في التسيير وفقا للقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية”.
وظهر أن مسطرة العزل هذه عادت بقوة من جديد لتطيح برؤساء جماعات بارزة بدعوى “وجود شبهات ترتبط بكيفية تسييرهم للمجالس التي يرأسونها”، خصوصا ما ورد ضمن تقارير للمفتشية العامة للإدارة الترابية، مما يجعل هذه المجالس أمام واقع جديد يقضي بإعادة اختيار رئيس جديد لها خلال ما تبقى من عمر ولايتها.
شملت هذه العملية خلال أسبوع واحد كلا من عبد الواحد المسعودي، رئيس جماعة تازة، ونور الدين كموش، رئيس جماعة آسفي. وجاء عزل الأول من منصبه بناء على “الملاحظات المسجلة من طرف اللجنة التابعة للمفتشية العامة للإدارة الترابية (IGAT) بشأن الأفعال المخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل”.
وتم عزل الثاني كذلك نتيجة لـ”تقريرٍ لمفتشية الإدارة الترابية أشار إلى مخالفات ارتكبها المعني خلال تسيير الشؤون الجماعية، ما أثر سلبًا على إدارة مصالح الجماعة”، وهو تقريبا الأمر نفسه بالنسبة لرئيس جماعة إيغود، التابعة لإقليم اليوسفية، الذي تم عزله هو الآخر بموجب مقرر قضائي للمحكمة الإدارية بمراكش.
تفاعلا مع الموضوع، اعتبر رضوان أعميمي، أستاذ القانون الإداري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن “عزل رؤساء الجماعات يرتبط بمعطى رئيسي يوحي بأننا أمام مرحلة جديدة في تشديد الرقابة على عمل الجماعات الترابية، وخاصة على الأشخاص بشكل أساسي، لا سيما رؤساء المجالس والمصالح”.
وقال أعميمي، في تصريح لهسبريس، إن “كل هذا يأتي كرد فعل على ما أفرزته المرحلة الأخيرة من اختلالات مالية وإدارية عادة ما ترِد ضمن تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وحتى المجالس الجهوية، وتقارير هيئات وطنية، بما فيها الهيئة الوطنية للنزاهة ومكافحة الرشوة ومحاربتها؛ فاليوم هناك توجُّه واضح نحو حكامة تسيير هذه الجماعات المحلية وتطبيق النصوص القانونية، خصوصا نصوص القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية”.
وأوضح أن “هذا القانون يعطي صلاحيات مختلفة سواء للعامل أو الوالي من أجل اللجوء إلى المحاكم الإدارية بغرض إصدار أحكام قضائية بخصوص رؤساء مجالس جماعية خالفوا أو يفترض أنهم ارتكبوا مخالفات في تسييرهم للمجالس التي يرأسونها”، مشيرا في السياق ذاته إلى “أننا أمام مرحلة جديدة دفعتنا إليها إشكالية العدالة المجالية التي لا يمكن ربح التنمية الترابية بدون تطبيقها”.
ولم يخف المتحدث أن “عمليات عزل هؤلاء المسؤولين الترابيين أو دفعهم نحو الاستقالة يمكنها التأثير على استمرارية المرفق الجماعي المحلي، على اعتبار أن إجراءات اختيار رئيس جديد تأخذ بعض الوقت بطبيعة الحال، لكن ذلك لا يرتقي إلى مرتبة الإشكال المتعلق بحكامة الديمقراطية الترابية”.
وقال الأكاديمي نفسه: “إننا أمام خيارين اثنين. إما أن يتم تعزيز الديمقراطية واللامركزية الترابية وفق النموذج المعتمد حاليا، الذي ينتصر للتمثيلية والانتخابات على الكفاءة، وإما أن يتم التوجه نحو تفعيل الصرامة بخصوص كفاءة المنتخبين الجماعيين وقدرتهم على أداء مهامهم. فنحن إذن أمام تحدي مراجعة فلسفة الديمقراطية واللاتمركز الترابي”.
من جهتها، سجّلت شريفة لموير، باحثة في العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن “ما تشهده الجماعات اليوم هو وضع صحي من أجل كسب الرهان التنموي الذي انخرط فيه المغرب، ونعلم أن محاربة الفساد من داخل الإدارات الترابية بالمغرب لا يمكن مباشرتها بدون ربط المسؤولية بالمحاسبة”.
وقالت لموير لهسبريس: “هذا ما دعمه توجيه وزير الداخلية دوريةً حول مسطرة عزل منتخبي مجالس الجماعات الترابية إلى عمال وولاة المملكة من أجل تفعيل القوانين الجاري بها العمل في هاته الحالات في إطار المراقبة الإدارية على أعضاء المجالس، ومادام أن تفعيل المادة 64 من القانون 113.14 المنظم للجماعات يعطي للعُمّال مباشرة هذا الحق، فإن تخليق الإدارات الترابية وضمان الشفافية رهينان بتفعيل مقتضيات القانون”.
0 تعليق