اختار أكاديميون مغاربة احتفال بلدان المعمور باليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية، الذي يصادف 10 نونبر من كل سنة، من أجل إجراء نوع من “التشخيص” لما يوفره المغرب كبلد صاعد لتوطين مكانة العلوم في بناء “مجتمع معرفة” لديه القدرة على الانخراط في “النادي الكوني”؛ مشددين على أن “القيام بوقفة للتأمل في ما وصلناه وما نحتاج بالضرورة إليه لنواصل المسير هو ما يجلب خلاصات موضوعية”.
وفق ما ذكره المتدخلون لهسبريس، فيبدو وجود ما يشبه الإجماع على “العمل الجماعي لإنضاج شروط التفكير والاقتراح والخروج بتصور مقبول يضمن وضع العلوم في مركزية النقاش للوصول إلى مجتمع العلم والمواطنة؛ ومن ثم، مجتمع المعرفة”، مبرزين “ضرورة الاتصاف أولا بالمعايير العالمية في تشييد هذا المجتمع المذكور، مع تثمين ما تحقق في المغرب، لكونه ليس أرضا خالية؛ وإنما هناك خصوصيات قوية تتطلب العناية”.
التعليم أساس النهضة
سعيد ناشيد، أكاديمي وكاتب مغربي، لفت الانتباه إلى أن ما يمكن استحضاره في هذا اليوم هو “معضلة التعليم أو مشكلة مناهجه”، معتبرا هذا بمثابة اللب وأساس بناء قاعدة علمية”، منبها إلى أن “مشكلة نموذجنا هي أن مجمل السجالات والنقاشات حول التعليم تدور حول قضايا بعيدة عن العلم أو المعرفة العلمية؛ فنراها تنحصر في اللغات، مثلا لغة التدريس أو اللغات المدرسية، أو تتعلق بالدين وكيفية تدريسه، وما إلى ذلك”.
لم يفرغ مع ذلك الباحث المغربي البارز هذه النقاشات من “المعنى” و”الجدوى”؛ غير أنه يرى أنها “يجب ألا تحجب علينا عمق النقاش: المعرفة العلمية. وزاد: “عندما نتحدث عن لغة التدريس، ننسى المعنى العلمي للكلمة، الذي يقتضي أن لغة العلم هي الرياضيات، وليست شيئا آخر غيرها؛ وعندما نهمل فنحن نتخلى بالضرورة عن لغته”.
وتابع ناشيد تصريحه لهسبريس قائلا: “أنا من الناس الذين يدعون إلى إصلاح منهج الرياضيات وزيادة عدد حصصها في المدارس والإعداديات والثانويات، لتسهيل عودة الحساب الذهني إلى المدارس وعودة المسائل”، مشددا بالمقابل على أن “العملية التقنية التي نركز عليها في تعليمنا لا تكفي لكي ننتج قاعدة علمية حقيقية في البلد. وأساس النهضة هو هذا”.
وبالنسبة لصاحب “التداوي بالفلسفة”، فإنه “ثمة إهمال بدرجات متفاوتة قد يصل إلى إيمان كلي في بعض المؤسسات بكل ما يتعلق بالمختبرات والمسائل العلمية والتجريبية والتطبيقية في المواد العلمية”، مؤكدا أن “قاعدة المواد العلمية هي التجربة، وإمكانية إجراء تجارب؛ والمشكل هو أن أكثر من 50 في المائة من مؤسساتنا التعليمية في البلد لا تتوفر ولو على الحد الأدنى من إمكانية إجراء تجربة بسيطة في العلوم”.
“نجاحات واضحة”
خالد التوزاني، جامعي ورئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي “مساق”، قال إن “هذا اليوم يمثل مناسبة للوقوف على حصيلة المملكة المغربية في مجال دعم المعرفة ونشر العلوم والمعارف وتشجيع البحث العلمي والابتكار”، مسجلا “تزايد أعداد الطلبة المغاربة في المدارس والجامعات في السنوات الأخيرة، وعرفت بنيات البحث والتكوين إطلاق وحدات للبحث في مجالات جديدة مرتبطة بمجتمع المعرفة مثل بعض التخصصات العلمية في مهارات التواصل والتدبير وأيضا بناء عدد من الكليات الجديدة والمدارس العليا”.
وذكر المتحدث لهسبريس “إنشاء المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي والرقمنة (ENIAD) في مدينة بركان، وذلك وفق رؤية استباقية لإعداد كفاءات مغربية تستجيب لمعايير دولية لشغل وظائف الغد التي ستظهر نتيجة التطور الهائل في البرمجة الحاسوبية وتعميم الرقمنة والذكاء الاصطناعي”، مضيفا إلى ذلك “ما شهده قطاع التعليم العمومي في المغرب بكل أسلاكه، الأولي والابتدائي والإعدادي والثانوي، من تغييرات كبيرة شملت تحسين برامج تكوين الأساتذة وتأهيل الأطر التربوية والإدارية، لتنسجم مع مجتمع المعرفة”، بتعبيره.
وخلص الأكاديمي إلى ما وصفه بـ”الجهود في تعميم المعرفة وتحفيز البحث والابتكار والتجديد قد بوأت البلاد مراتب جيدة في التصنيفات الدولية المرتبطة بالمعرفة والعلوم، وخلقت بيئة ملائمة للتنمية المستدامة والاستثمار ودعم المشاريع العلمية والأوراش الكبرى المفتوحة، التي بدأت ثمارها تظهر على صعيد تعزيز الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي والإقلاع التنموي”، مبرزا أن هذا “ما تؤكده النجاحات الأخيرة للمغرب في عقد شراكات استثنائية وتاريخية مع بعض الدول الأوروبية؛ ومنها فرنسا وإسبانيا، إلخ”.
وزاد: “جذور العلاقة القوية للمغرب والمغاربة مع العلم والمعرفة تعود إلى قرون عديدة خلت، منذ تأسيس أول جامعة في العالم بمدينة فاس، بشهادة اليونيسكو وكتاب جينيس للأرقام القياسية، وهي جامعة القرويين، التي بنتها فاطمة الفهرية، عام 245 هجرية”، مشددا على “اشتهار المغاربة ببناء المدارس والمساجد والمعاهد والخزانات العلمية، داخل المغرب وخارجه.. وهذا إيمان راسخ بأهمية العلم في تحقيق التنمية”.
0 تعليق