أعادت فاجعة قتل شخص والدتَه وإصابة شقيقين له بإصابات بليغة، التي عرفتها مدينة طنجة الجرائم ضد الأصول إلى الواجهة مرة أخرى بالمغرب، حيث باتت تؤرق بال المجتمع وتبث الرعب في صفوف أفراده بسبب تواترها.
وتشكل الواقعة التي استفاق عليها حي بني مكادة الشعبي بمدينة البوغاز صورة مصغرة للجرائم التي تسجل بين الفينة والأخرى في مناطق ومدن مختلفة بالبلاد، الأمر الذي يدفع إلى دق ناقوس الخطر إزاء هذا النوع من الجرائم والبحث في أسبابها ودوافعها.
علي شعباني، أستاذ باحث في علم الاجتماع، يرى أن ظاهرة الجرائم التي تنفذ ضد الأصول والفروع في المجتمع المغربي، بدأت “تستفحل بشكل مخيف في المجتمع”، مبرزا أن هذا الأمر “لا يتأتى من فراغ”.
وقال الشعباني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن البحث في أسباب الظاهرة يبن أنها تتداخل فيها عوامل عديدة ومركبة، منها الأسباب العائلية المتصلة بـ”بعض المشاكل والعلاقات العائلية الداخلية التي تنشب بسبب الإرث، أو عن طريق الاختلافات داخل الأسرة، أو عن طريق بعض المضايقات وغيرها”.
وزاد مفسرا أن الضغوط التي يعيشها بعض الأفراد داخل الأسر تدفعهم إلى اللجوء إلى الصراعات “العنيفة الدموية التي قد تصل إلى القتل”، لافتا إلى أن بعض الأسباب ترتبط أساسا بـ”سوء التربية والتنشئة الاجتماعية، وعدم الاهتمام الكافي بتربية الناشئة والشباب والمراهقين داخل الأسرة”.
وأشار الشعباني إلى أن الانحراف واللجوء إلى استهلاك المخدرات أو الأقراص المهلوسة التي تخرب العقل والجسم، يمثل سببا رئيسيا في بروز هذا النوع من الجرائم، مشددا على أن “الانحرافات الأخلاقية وغياب التربية على المبادئ والقيم التي يمكن أن تحصن الشباب ضد ارتكاب مثل هذه الجرائم، أدت إلى الوصول إلى هذا المستوى”.
واعتبر السوسيولوجي ذاته أن هذا الواقع يسائل “المنظومة التربوية والمنظومة القيمية داخل المجتمع المغربي”، مسجلا أن الكثير من الدراسات ينبغي أن تنصب على “المنظومة التربوية السائدة والبرامج التعليمية داخل المجتمع، التي لم تعد تركز على تلك المبادئ التي كانت تعتمد عليها الأسر المغربية في تربية النشء، وغرس القيم الاجتماعية التي تحصن الناشئة من ارتكاب أو اللجوء للعنف”.
وأفاد الشعباني بأن عموم المجتمعات أصبحت تشتكي من “هذه الجرائم ومن تغول وسائل التواصل الاجتماعي التي أشاعت مجموعة من القيم السلبية، كالعنف والكراهية وتحطيم كل ما كان ايجابياً فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية والتربوية داخل المجتمع”.
من جهته، أشار عبد ربه البخش، باحث في العلوم الاجتماعية، إلى مركزية الصحة العقلية والنفسية للمغاربة في هذا النوع من الجرائم، معتبرا أن معظم هذه الجرائم “القاسم المشترك بينها هو أن هناك أمراضا منتشرة لدى مرتكبي هذه الجرائم”.
وأكد البخش، في تصريح لهسبريس، أن هؤلاء الأشخاص “يعتبرون قنابل موقوتة داخل المجتمع، ويمكن أن يلحقوا الأذى بالآخرين أو بنفسهم أو أقاربهم، وتكون بالأخص مع الأصول، لأنهم يرتبطون بهم أكثر ويحتكون معهم في النقاش والجدال والخلاف”.
وسجل المتحدث أن تطور الوضع في النقاش مع هذا النوع من المضطربين نفسيا، “يجعلهم في حالات خارج السيطرة على أعصابهم ويفقدون وعيهم ويمكنهم أن يرتكبوا أي جريمة”، مشددا على أن المدخل الأساسي للحد من مثل هذه الجرائم، هو “الأخذ بعين الاعتبار الصحة النفسية والعقلية للمغاربة بشكل كبير، وتكون لدينا مستوصفات في الأحياء والمدن والبوادي تعنى بتتبع مثل هذه الحالات. وبالنسبة للحالات التي لا تستطيع التعايش اجتماعيا، يجب إدخالها المصحات العقلية حماية لها ولأهلها والمجتمع”.
0 تعليق