على الرغم من تزايد الاهتمام بتعزيز التعددية اللغوية والثقافية في المغرب، التي كرستها الوثيقة الدستورية لسنة 2011، ما زالت عدد من الفعاليات المهتمة بالشأن الأمازيغي تثير مجموعة من الأسئلة حول واقع إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية الوطنية، إذ تدفع بوجود “هوة كبيرة” بين ما جاء به الدستور والقانون التنظيمي ذو الصلة وبين الواقع العملي، الذي يؤشر، حسبها، على “وجود جيوب مقاومة” داخل المؤسسات ما زالت ترفض بالمطلق وجود لغة “إيمازيغن” في الحياة العامة، رغم كل المكتسبات.
هذا الموضوع كان محور ندوة نظمتها، اليوم السبت بالرباط، منظمة “تاماينوت” وجمعية “صوت المرأة الأمازيغية”، إلى جانب التنسيقية الوطنية لأساتذة اللغة الأمازيغية، وجمعت عددا من المهتمين الذين أجمعوا على “الوضع المتدهور” الذي تعيشه هذه اللغة، خاصة في الحقل التربوي، مؤكدين على الحاجة لمراجعة “آليات النضال” لرفع “التمييز والحيف” الذي يطال الأمازيغية في المغرب.
في هذا الإطار، قال محمد أمدجار، رئيس منظمة “تاماينوت”، في مداخلة له بهذه المناسبة، إن “المقارنة بين الخطاب الرسمي للدولة والقوانين الصادرة بشأن تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وبين الممارسة العملية تكشف عن فجوة كبيرة وعميقة بين النص والواقع، فمنذ سنة 2003 والدولة ترفع شعار تعميم الأمازيغية وتجويد تدريسها، إلا أنه اليوم، بعد مرور أكثر من عقدين من الزمن، لم يتحقق شيء من ذلك”.
وأبرز أمدجار أن “القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، الذي أحالت عليه الوثيقة الدستورية لسنة 2011، وإن تأخر صدوره كثيراً، مع ما يعنيه ذلك من هدر للوقت الذي دفعت الأمازيغية ثمنه، نص في مادته الثالثة على أن تعليم الأمازيغية حق لجميع المغاربة دون استثناء”، متسائلاً: “هل يستفيد المغاربة اليوم من هذا الحق؟”، قبل أن يضيف “طبعاً لا”.
ولفت إلى أن “وجود هذا التناقض بين القانون والواقع يشير إلى وجود جهة لا تحترم القانون، وهذه الجهة هي الدولة بطبيعة الحال، التي أصدرت القانون ولا تلتزم به”، مؤكداً على “ضرورة اللجوء إلى القضاء في مواجهة كل المؤسسات التي لا تحترم القانون، وإن كان تنفيذ الأحكام ينطوي على صعوبات، إلا أنه يظل خطوة رمزية في مسار النضال من أجل الأمازيغية”.
وأشار الفاعل الأمازيغي نفسه، في استعراضه لأوجه “الحيف” الذي يطال الأمازيغية داخل منظومة التربية والتكوين، إلى “المذكرة الوزارية التي أصدرتها وزارة التربية الوطنية، والتي جعلت تدريس الأمازيغية اختيارياً في المدارس الخصوصية، وهو ما يتناقض مع مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية ويضرب بهذا القانون عرض الحائط، رغم أنه يحتل المرتبة الثانية في هرمية القانون بعد الدستور”.
وأضاف أن “إدخال الأمازيغية إلى المجال التعليمي يظهر أنه لم يكن بهدف إعطاء هذه اللغة المكانة التي تستحقها، بل كان مجرد خطوة لإسكات صوت الحركة الأمازيغية، التي كانت تنادي بإدماجها في جميع مجالات الحياة العامة، بهدف رفع الحرج الذي تجد الدولة نفسها فيه على المستوى الدولي”، مشيراً إلى “الغياب التام لاعتماد الأمازيغية في معاهد تكوين الموارد البشرية لفائدة الإدارات العمومية، بما في ذلك معاهد تكوين الأساتذة نفسها، خلافاً لمقتضيات القانون التنظيمي”.
في السياق ذاته، أكدت سارة الزوبير، عضو التنسيقية الوطنية لأساتذة اللغة الأمازيغية، أن “أساتذة اللغة الأمازيغية يعانون من مجموعة من الضغوطات والصعوبات، الناتجة أساساً عن الوضع الهش الذي تعيشه الأمازيغية، إذ عرف إدماجها في المنظومة التربوية منذ سنة 2011 تراجعاً خطيراً”، مضيفة أن “الأرقام التي تصرح بها الوزارة الوصية بشأن التعميم بعيدة كل البعد عن الواقع، وتتناقض بشكل كبير معه”.
وأبرزت الزوبير في مداخلتها أن “القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية، الصادر في شتنبر من سنة 2019، ينص على تعميمها في السلك الابتدائي في غضون خمس سنوات من تاريخ دخوله حيز التنفيذ، أي من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، غير أننا حتى الآن لم نصل إلى هذا الهدف، وهذا يعد خرقاً واضحاً للقانون والدستور”.
وأشارت المتحدثة ذاتها إلى “غياب إرادة سياسية حقيقية لتعميم اللغة الأمازيغية في الأسلاك التعليمية، في ظل استمرار بعض الممارسات التي ما زالت تطال أساتذة هذه اللغة داخل الوسط التعليمي نفسه، على غرار تكليفهم بتدريس مواد خارج تخصصهم، وإقصاء الأمازيغية مما يسمى مدارس الريادة”.
وتابعت قائلة: “عدد المدارس الابتدائية في المغرب يبلغ حوالي 8022 مؤسسة، بينما لا يتجاوز عدد أساتذة الأمازيغية 2200 أستاذ وأستاذة”، رافضةً في الوقت نفسه “سياسة الوزارة التي تعمل على تضخيم الأرقام المتعلقة بالتعميم، ومحاولة تنفيذ هذا الأخير على حساب أساتذة اللغة الأمازيغية، الذين لا يُعاملون مثل أساتذة باقي التخصصات، سواء من حيث توزيع الأقسام أو عدد ساعات التدريس”.
وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قال حسن إدبلقاسم، محامٍ وناشط حقوقي أمازيغي، إن “تدهور وضع الأمازيغية في المنظومة التربوية والتعليمية وفي الإعلام وفي الفضاء العام عموماً هو نتيجة طبيعية للإقصاء الممنهج والتمييز الذي طال هذه اللغة على جميع المستويات، بما في ذلك المستوى الدستوري، إذ لم يكرس الدستور في فصله الخامس المساواة بين اللغتين العربية والأمازيغية”.
وأضاف أن “هذا التمييز امتد إلى القوانين والمؤسسات وممارسات الحكومات والفاعلين السياسيين، وصولاً إلى الفاعلين في الحقل التربوي، مما ساهم في عرقلة وكبح مسار تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية”، مقترحاً في الوقت نفسه بلورة “أشكال نضالية جديدة من خلال الاستفادة من التراكمات النضالية للحركة الثقافية الأمازيغية، يتم على أساسها تحديد الأهداف، والعمل على رفع هذا التمييز، ووضع استراتيجيات واضحة توحد الإطارات الأمازيغية لخدمة هذه القضية”.
0 تعليق