بقلم الكاتب السياسي والمؤرخ الفلسطيني : د. إبراهيم فؤاد عباس
ماذا تعني عودة ترامب للبيت الأبيض بعد أربع سنوات من الغياب، وما هي التوقعات حول “الحالة الأمريكية” خلال فترة رئاسته الثانية، ومن هي الأطراف المستفيدة ومن هو الخاسر الأكبر من هذه العودة؟
تكتسب عودة ترامب لرئاسة الولايات المتحدة أهمية خاصة، كونه أول رئيس أمريكي يحكم لفترتين غير متتاليتين منذ غروفر كليفلاند عام 1892، وتزداد هذه الأهمية مع فوز الحزب الجمهوري بالأغلبية في مجلس النواب، والاحتمال الكبير بفوز الحزب في مجلس النواب، والذي إذا تحقق سيتيح لترامب أن يكون حاكمًا كامل الصلاحيات. وينبغي التأكيد هنا أن أداء سلفه “الخرف” ونائبته هاريس جعل الناخب الأمريكي يلمس الفروق الكبيرة بين دونالد ترامب – من خلال ولايته الأولى، ورغم ما واكبتها من سلبيات- باعتباره الرئيس الأمريكي الجمهوري الأكثر أهمية وقوة منذ الرئيس ريجان. كما تكتسب تلك العودة أهمية إضافية لأن حملته الثالثة تخللتها محاولتا اغتيال وأربع لوائح اتهام وإدانة جنائية، وهو ما دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأنه لم يتمكن من خوض الانتخابات الرئاسية، لكن تلك التهم سقطت عنه بعد أن أصدرت المحكمة العليا الأمريكية حكماً تاريخياً قضى بأن الرئيس السابق دونالد ترامب يتمتع بالحصانة الجزئية، وأبطلت المحكمة العليا الأمريكية الجهود التي بذلتها ولايات منفردة لمنعه من الترشح للرئاسة. وقد أثبت الناخب الأمريكي درجة من الوعي أهلته لاختيار المر شح الأقوى والأفضل للرئاسة رغم ما ارتكبه ترامب من سلبيات خلال فترة رئاسته الأولى بدءًا من حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، والحديث عن بناء جدار على الحدود مع المكسيك، وليس نهاية ببطء التعامل مع جائحة كورونا، ومرورًا باقتحام مجموعة من أنصاره لمبنى الكابيتول، وأيضًا فرض رسوم جمركية على الصادرات الأوروبية، وهو ما دفع نسبة كبيرة من الأمريكيين إلى النظر إليه بكثير من السلبية الأمر الذي أوضحه استطلاع رأي لمركز “بيو” للأبحاث، عندما كان ترامب يتأهب لمغادرة منصبه بنسبة تأييد له لم تتجاوز 29 بالمئة. لكن رغم تلك السلبيات، إلا أن الناخب الأمريكي بعد أربع سنوات من سياسة إدارة بايدن المتخبطة وجد أن ترامب بكل هذه السلبيات هو الأفضل والأنسب لإعادة أمريكا قوية، وأن مبدأ ترامب الذي رفعه خلال فترة رئاسته الأولى “أمريكا أولاً”، والذي يرفعه مجددًا الآن، وقراراته الجريئة ومواقفه الحاسمة، والعديد من الإجراءات الاقتصادية التي اتخذها في فترة رئاسته الأولى بما في ذلك نجاحه في إعادة التفاوض التجاري بين بلاده وبقية بلدان العالم، ورغم أن ذلك كان أحيانا فوضوياً وأدى إلى حرب تجارية مع الصين وجعل التجارة المحلية غير مستقرة، إلّا أن ترامب أفلح في وقف “اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية” (نافتا)، واستبدله باتفاقيات أخرى مع المكسيك وكندا، وقام بإصلاحات ضريبية كبرى، مما أدى إلى انخفاض معدلات الضرائب للأفراد والشركات، وعمل على تخفيف القيود التنظيمية على الأعمال والصناعة، مما عزز النشاط الاقتصادي. وقد شهد سوق الأسهم نموًا ملحوظًا خلال تلك الفترة، وسوف لا ننسى دائمًا أن الاقتصاد هو العامل الأهم بالنسبة للناخب الأمريكي عندما يتعلق الأمر بأولويات الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وعلى صعيد السياسة الخارجية الأمريكية في فترة رئاسة ترامب الثانية، يتوقع المراقبون أن تعود العلاقات الأمريكية مع دول الخليج كما كانت قبل فترة ولاية بايدن، وأن تزداد الضغوط الأمريكية على طهران، وأن تعود المفاوضات بين إدارة ترامب وكوريا الشمالية.
وتزداد مخاوف أوروبا من عودة ترامب لا سيما بسبب الأنباء المتواترة عن نيته وقف صادرات الأسلحة والدعم المالي لأوكرانيا، وهو عكس سياسات الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى ما يتردد أيضًا عن نية ترامب زيادة الرسوم الجمركية على البضائع الأوروبية. كما ينبغي التذكير بتصريحات ترامب التي أدلى بها عشية الانتخابات الأمريكية بإنه سيشجع روسيا
على مهاجمة دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) إذا لم تفِ بالتزاماتها المالية. ولا يخفى على أوروبا أن علاقات ترامب مع “الناتو” لابد وأن تشهد توترًا في عودته الثانية للرئاسة.
كما يبدي الكثيرون قلقًا متزايدًا بسبب خطابه الحاد لاسيما فيما يتعلق بالمهاجرين.
ويهدف ترامب إلى مواصلة حربه الاقتصادية مع الصين بهدف تحقيق توازن فى التجارة الخارجية معها، لكن لا يدور في خلده أن تدخل الولايات المتحدة فى حرب مع الصين من أجل تايوان، التى يرى أن عليها أن تحل مشاكلها مع الصين عبر التفاوض. ويرى ترامب أن تايوان تغرق الولايات المتحدة بإنتاجها من الشرائح الإلكترونية، وتحقق فوائض مالية هائلة من وراء ذلك، وأن على الولايات المتحدة أن تحقق الاكتفاء الذاتى من الشرائح الإلكترونية. والمتوقع أن يستمر ترامب في سياسته التي تهدف إلى تجنب اندلاع الحروب، إلى جانب التخفيف من اتباع أسلوب فرض العقوبات الذي أثبت إضراره بالاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي. كما أن المراقبين ينظرون بترقب حول وعود ترامب خلال حملته الانتخابية بوقف حرب غزة ولبنان، وكيف سيتمكن من تحقيق هذا الهدف الذي يتعارض مع توجهات حليفه الأكبر بنيامين نتنياهو الذي يصر على استمرار هذه الحرب.
ويعتبر بنيامين نتنياهو المستفيد الأكبر من عودة ترامب للبيت الأبيض، وهو ما يتضح من تصريحه إثر فوز ترامب واصفًا تلك العودة بأنها ” أعظم عودة في التاريخ”، وقوله: ” معًا، سنعزز التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل”، مع التذكير بأن ولاية ترامب الأولى أسفرت عن قرارات مهمة بالنسبة لإسرائيل، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني.
المستفيد الأكبر الثاني من هذه العودة روسيا، فترامب لا يخفي صداقته لبوتين، وهو قد وعد خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا في غضون 24 ساعة، وواضح أن ما يخطط له ترامب لإنهاء تلك الحرب هو وقف إمداد أوكرانيا بالسلاح، والحد من المساعدات الاقتصادية التى تستنزف الاقتصاد الأمريكي. وينبغي الإشارة هنا إلى تصريحات كيريل دميتريف رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي بقوله إن فوز ترامب قد يكون فرصة لإصلاح العلاقات بين البلدين.
0 تعليق