راكم تجربة سينمائية تمتد على مدى أربعة عقود، يوصف بأنه نجم الشاشة المغربية، لا سيما عند الحديث عن الأفلام والمسلسلات التلفزية.
فـ”حمادي” الذي رفرف في نهاية التسعينات مع “سرب الحمام” يجول الآن في عدد من البقاع داخل المغرب وخارجه لعرض “الطابع”، وهو فيلمه الأخير الذي قام بإخراجه.
هو رشيد الوالي، الممثل المغربي الذي دخل بيوت المغاربة لسنوات من خلال شاشة التلفزة عبر أعمال درامية تتخللها الكوميديا.
اليوم، وفي إطار فعاليات الدورة الثالثة عشر من المهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة، تستضيفه هسبريس للحديث في هذا الحوار عن السينما وواقع القطاع والقليل من السياسة.
نلمس اختلافاً في الوسط الفني في علاقة الفنانين عامة بالمهرجانات بين من يحرص على حضورها جميعا ومن يفضل التواري. بالنسبة إليك، كيف هي علاقتك بالمهرجانات السينمائية؟
في الحقيقة، الأمر يختلف بالنسبة لي بين الماضي والآن. في الماضي، كانت المهرجانات السينمائية قليلة وكان بالإمكان حضورها جميعها، لكن الآن الوضع تغير وكثر عددها، بحيث بات في كل مدينة أكثر من مهرجان وفي أوقات متقاربة، وبالتالي يصعب مواكبتها.
من جانب آخر، أصبحت على المستوى الشخصي أحاول تفادي حضور المهرجانات التي تركز فقط على الظهور والصور والأضواء والبساط الأحمر.
كيف تقيم مستوى الإنتاجات السينمائية الحالية بالمغرب؟
مؤخرا، قد يلاحظ البعض غيابي نسبياً عن الساحة الفنية، ومرد ذلك إلى كوني أصبحت لا أرغب في المشاركة في أي شيء فقط من أجل المشاركة عملا بمقولة “شحال غاب قالو شحال جاب”.
أنا دائما أخاف من أتحول إلى العمل من أجل “طرف الخبز”، وهو أكثر شيء يمكن أن يقتل الفنان، بحيث يصبح لا يستطيع الاختيار وتفضيل المشاركة في أعمال دون غيرها، إذ يصبح همه هو دفع أجرة الكراء وتعليم الأبناء وغيرها. وهي وضعية اضطرت فنانين عالميا للتنازل من أجل هذا الأمر. لذلك أنا ولله الحمد استطعت أن أؤمن عيشي حتى لا أضطر للوقوع في هذه الوضعية، أو كما يقول المغاربة “درت علاش نرجع”.
وحين أختار، فأنا أختار أعمالا تحمل قضايا إنسانية أو مجتمعية أو تاريخية كما هو الحال بالنسبة لفيلم “الطابع”، الذي يتحدث عن المغاربة الذين هاجروا في سنوات الخمسينات والستينات إلى الغرب ويعانون اليوم من العنصرية. والفيلم قد لقي إقبالا عند المهاجرين بحيث تتواصل برمجته منذ سنة ونصف، وخلق نقاشا بين الجيلين السابق والحالي الذي فئة واسعة منه لم تكن تعلم طريقة وصول والديها إلى أوروبا.
في رأيك، هل شهرة فيلم “الطابع” تعكس قيمة العمل أم جهود الترويج؟
يمكن القول العاملين معاً. وأنا أرى أن هناك من يركز جميع جهوده على المنتوج دون الترويج لصدوره وبأي طريقة سيطلع عليه الجمهور.
ومعلوم أنه لكل فيلم جمهور، لذلك علي أن أعرف كيف أروج له، وهو ما جعلني أشتغل على هذا الفيلم لأكثر من 3 سنوات، وحاولت الحصول على الدعم لكن تزامن ذلك مع ظرفية كورونا للأسف، غير أن ذلك لم يمنعني من إقناع أُناس في جهة الشرق للحصول على الدعم اللازم، والذين وجدوا في هذا العمل خدمة للمنطقة أيضاً، بحيث اكتشف كثيرون منطقة فجيج وكيف يعيش أهلها ومناجم الفحم الحجري بجرادة والقصص التي تحيط بها، لا سيما المأساوية منها كوفاة أشخاص داخلها. فضلا عن أن بعض مشاهد الفيلم سيتم الاحتفاظ بها في متحف لحفظ ذاكرة هذه المناجم والذين علموا بها، بحيث تغيب هذه الصور الآن وإن وجدت فستكون في حالة متآكلة نتيجة قدمها.
كيف جاءتك فكرة التصوير في الأقاليم الشرقية من المغرب؟
أصدقك القول إنه حين تم الاشتغال على فكرة قصة الفيلم، كان الأمر يتعلق بمهاجر يعود من فرنسا إلى الدار البيضاء، ثم ينتقل عبر القطار نحو مراكش ثم الراشيدية التي تواجد بها فيليكس مورا (عسكري فرنسي أصبح فيما بعد مُشَغِّلًا لصالح شركة مفاحم فرنسا) لاختيار الشباب من أجل العمل في فرنسا.
حصل أن زرت مدينة وجدة فأخبرني صديق بأن بجهة الشرق مناطق تشبه الراشيدية، وهي معلومة عززت لدي الرغبة كمخرج في تغيير أماكن التصوير، كما تعزز طبيعة مدينة فجيج فكرة انتقال شخص من مكان يعج بالمباني ويمثل منطقة رمادية إلى التربة، وشعرت بها كمخرج وكأنني أصور مشهدا لشخص سيدفن نفسه حياً.
في هذا السياق، كنت قد جلست مع مصطفى بن حمزة، رئيس المجلس العلمي بجهة الشرق، واقترح فكرة تصوير فيلم في المنطقة، فحظيت بدعم وتسهيل من مسؤولي المنطقة الترابيين، لا سيما عمال الأقاليم التي اشتغلت فيها، ما مكننا من تصوير فيلم ناجح كأول فيلم مغربي في تاريخ المغرب يصور في فجيج.
هل تحضرك أية طرائف خلال التصوير بهذه المناطق؟
الطريف في الموضوع هو أننا حين انتقلنا للتصوير في فجيج اخترنا أشخاصا محليين للتمثيل معنا ككومبارس (ممثل إضافي)، فكنا نتلقى استجابتهم بفرحة غامرة، وبينما نحن نصور في مناطق سكنية، كثيراً ما كانت تُقبِل سيدات رفقة بناتهن ليناولنا الحليب والتمر المحلي المشهور بأزيزا كنوع من الترحيب دون أن يعلمن أننا نصور لقطة ما.
في رأيك، هل التجربة المسرحية والتكوين السينمائي ضروريان لنجاح الممثل؟
هناك فرق ملموس في هذا الشأن، بحيث إن المسرحي يمكنه أن يمثل في السينما، بينما الممثل السينمائي سيصعب عليه المسرح، إلا فئة قليلة. ونتساءل هنا: هل يمكن أن نجد أي طبيب في العالم لم يخضع للتكوين في مجاله؟
الموهبة لا تكفي، الموهبة وحدها لن تمكن الممثل من فهم درجات معنى الكلام على سبيل المثال. لذلك تجد الجمهور في بعض الأحيان يبدي رأيه في ممثلين فيقول: نشعر به يمثل أو لا نشعر به يفعل.
ارتباطا بهذا السؤال، كيف ترى إشراك مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي في الأفلام السينمائية والتلفزية؟
في البداية كنت مع الفرصة للجميع وأقول إنه على الأقل لدى هؤلاء علاقة بالصورة عبر الهاتف، ما يعني أنهم أفضل من الاعتماد على شخص لم يتعامل مع هذه التقنيات من قبل. لكن أثبتت التجربة أنهم مَا صالحينْشْ، بل على العكس يفسدون هذا المجال، بْغاوْني وْلا ما بْغاونيشْ..
وأقول إن من بين 20 سنجد شخصين إلى 3 فقط يمكن الاعتماد عليهم.
هل تتفق مع القائلين بأن دخول هؤلاء إلى السينما جاء عن طريق بحث بعض المخرجين والمنتجين عن الترويج لأفلامهم عبر جمهورهم في السوشل ميديا؟
إن أكبر مأساة تعيشها السينما حاليا هو تنافس التلفزيون مع يوتيوب ومنصات التواصل الاجتماعي، أنا كتلفزة دوري هو الرقي بذوق المشاهد والتأثير، أنا أتفهم منتجا دفع مصاريف الفيلم من جيبه يرغب في الربح، لكن هذا ليس دور التلفزيون.
كيف ترى رغبة البعض في “إعدام” حق الممثل والفنان في إبداء الرأي خارج مجاله، لا سيما فيما يتعلق بالسياسة والقضايا المجتمعية؟
في رأيي، لا يمكن أن ينتقد الفن من لا علاقة له بالفن، والشيء نفسه بالنسبة للفنان، إلا أن هناك بعض الفنانين ملمّون بالقضايا السياسية والمجتمعية. وأستحضر هنا حديث روبرت دينيرو حول دونالد ترامب قبل أيام وإدلائه بآرائه السياسية بشأنه، بينما هناك في الجانب الآخر من يحاول أن ينأى بنفسه عن هذا الأمر لأنه فيه مخاطرة.
نعرف أن لك مجموعة من التصريحات الصحافية تحمل آراء من هذا القبيل، هل تشعر بالمخاطرة حين تدلي بهذه الآراء؟
حين أنتقد وإن كان ذلك يبدو سياسياً إلا أنني أنتقد كأب، فحينما تحدثت عن ثقل المحفظة المدرسية لأنني أب وأصبحت جَداً. وأرى أنه لا يمكن للفنان أن يبقى بعيدا عن هموم الناس. وقد أتحدث في بعض الأحيان عن الغلاء وأقول “واك واك الحق”، لكن في الوقت نفسه أؤمن بأن هناك أزمة تواصل لدى الحكومة مع المواطنين، وأنا متأكد أنها لو تواصلت بشكل جيد سيتفهم المغاربة الإكراهات الحاصلة، لأنه ليس هناك مغربياً لا يحب بلاده. “ماشي انتوما كتوزعو السيارات والمناصب وأعياد ميلاد وأعراس بمئات الملايين وتقولون في البرلمان إن الظروف صعبة، فمن الطبيعي أن المواطن لن يتفهّم هذا الأمر”. في نهاية الأمر أنا أتحدث كأب وكمواطن غيور.
من خلال تجربتك التي راكمتها طيلة العقود الأربعة الماضية، ماذا ينقص المغرب لتحقيق صناعة ثقافية سينمائية؟
لدينا مدارس ومعاهد سينمائية وتقنيون أكثر مقارنة بالسنوات الماضية، لكن ليس لدينا توجه وسياسة واضحة. في رأيي، لن تتحقق صناعة سينمائية بالمغرب إلا من خلال خلق قاعات سينمائية في كل المناطق وسن قوانين تحمي الإنتاجات السينمائية.
ختاماً، ما أعمالك المستقبلية؟
أنا بصدد الاشتغال على عمل سينمائي كنت قد كتبه منذ مدة، يتحدث حول حقوق الإنسان ووضعية السجون في المغرب. أخطط ليكون الفيلم دراميا وكوميديا في الوقت ذاته عملا بالمقولة المغربية “قوة الهم كاتضحك”. وبالإضافة إلى هذا العمل أخطط لأعمال أخرى أريدها أن تصدر عبر الإنترنت، خاصة وأن الشباب لم يعد يتابع التلفزيون، فعلينا أن نتوجه إليه بأعمال بأحجام مختلفة تناسبه.
0 تعليق