أبواب فاس العاصمة الروحية .. معالم تاريخية صامدة وأخرى تواجه الاندثار - ترند نيوز

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الحديث عن أبواب فاس، هو حديث متاهة تاريخية، اجتماعية وسياسية متشعبة مترامية الأطراف، إنه حديث عن حكاية مدينة، تشترك أبوابها ومداخيلها في سرد أحداثها. منها أبواب بقيت قائمة منذ نشأتها الأولى، صامدة في وجه الأعاصير، الكوارث الطبيعية من زلازل وفيضانات، والثوراث والتحولات السياسية، وأخرى لم يبق منها إلا الإسم، واندثرت معالمها أو اختفى وجودها.

في فترات كانت المدينة غير آمنة، جعلت لكل حي باب ولكل درب باب ولكل زقاق باب، فأطلقت أسماء هذه الدروب والأزقة على المناطق برمتها. مثل باب الزيات أو باب السلسلة، أو باب النقبة، وأبواب أخرى كانت منافذ في سور المدينة حملت أسماء قبائل وعشائر استوطنت هذه الجهة أو تلك إما في مرحلة إنشاء المدينة عام 789 م، أو في مراحل لاحقة مثل باب ريافة وباب الجزيين. أو أبواب ارتبطت برجال أولياء وعلماء مثل باب مولاي إدريس أو باب سيدي بوجيدة.

الجزء الثاني

باب المحروق

وقد حمل منذ نشأته إسم باب الشريعة. بناه محمد الناصر الموحدي سنة 1203م ضمن أعمال إعاد بناء سور فاس وجعله بناء ضخما يليق بالمهمة التي أعد لها، تنفيد العقوبات وإقامة الحدود، ومن هنا جاء إسم باب الشريعة. وقد أطلق هذا الأسم على أبواب مدن أخرى مثل باب الشريعة في تازة وباب الشريعة في مراكش.

ففي نفس السنة التي بني فيها هذا الباب أدت حادثة إلى تغيير إسمه، من باب الشريعة إلى باب المحروق، وهو إسمه المعروف به اليوم عند العامة. يقول الناصري في كتاب ( الإستقصى) ثار محمد بن عبد الله حفيد أخر خلفاء العبديين(الفاطميين) محمد العاضد لدين الله، الذي دعى، بجبال ورغة نواحي فا ، لنفسه بالخلافة وتبعه كثير من الناس، وخرج ضد دولة الموحدين، فألقي عليه القبض ، ثم قتل وعلق رأسه بباب الشريعة وأحرق جثمانه في وسط هذا الباب. فسمي باب المحروق. فالباب أصبح رمزا لتطبيق العقوبات والإعدامات. كما أن الهضبة المقابلة له صارت معروفة هي الأخرى بإسم “المقطع” مخصصة لهذا الغرض، أي منطقة دفن الأجساد المقطعة رؤوسها.

حادثة إحراق أخرى وقعت بقرب هذا الباب، وإن كانت لا علاقة لها بهذه التسمية، وهي إحراق جثمان العلامة الأندلسي الكبير لسان الدين الخطيب (1313 ـ 1374) الذي إتهمه أعدائه وحساده بالكفر و الزندقة و الإساءة إلى شخص الرسول صل الله عليه وسلم، فخنقوه في السجن حتى الموت، وبعد دفنه، أخرجوا جثمانه من القبر واحراقوه.

من الشخصيات العلمية الكبيرة المدفونة ليس ببعيد عن باب المحروق العلامة المالكي الكبير أبو بكر بن العربي المعافري، الذي بعد عودته من الشرق رحل من الأندلس إلى مراكش ، لمبايعة الخليفة الموحدي عبدالمومن. وعند عودته إلى مسقط راسه باشبيليا، أصيب بمرض مات منه ودفن خارج باب المحروق، قبل بناء الباب بحوالي 60 سنة.

أخر الإعدامات التي تمت في هذا الباب كانت هي إعدام الثائر على الدولة العلوية الجيلالي الزرهوني المعروف ببوحمارة سنة 1909. في فترة حكم السلطان عبد الحفيظ بن الحسن.

باب بو جلود

هو أشهر وأجمل بوابات فاس وثاني أجمل بوابات المغرب بعد باب المنصور العلج في مكناس. و رغم حداثته مقارنة مع أبواب فاس الأخرى فقد أصبح رمز مدينة فاس في كل الواجهات ويشتمل على بوابة كبيرة مزخرفة بالزليج الأزرق المغربي ـ الأندلسي في واجهته الخارجية والأخضر في الواجهة الداخلية، إضافة إلى بابين صغيرين بنفس القوس عن يمينه و شماله. فالباب بمداخله الثلاثة صمم بناء على طراز الهندسة المغربية التقليدية. لقد وردت في تسمية هذا الباب الواقع في الجهة الشمالية الغربية للمدينة القروانية، العديد من الروايات. فسمي باب أبي الجنود، إستنادا إلى الساحة التي يفضي إليها خارجيا، حيث كان المرابطون و الموحدون و المرينيون يجمعون فيها الجنود المتوجهين إلى المعارك وخاصة إلى الأندلس. غير أن هذا الإسم لم يذكره المؤرخون مثل ابن أبي الزرع أو ابن خلدون أو بن عذاري أو بن الخطيب. وإنما ذكرته حوالة للقرويين من عهد السلطان إسماعيل العلوي حدائق ابي جلود وعرصة بوجمود. وإسم باب بو جلود و هو الأشهر اليوم .

يرجع في رواية إلى أن إسم باب بوجلود، يعود إلى مدبغة كانت بجانب قصبة بوجلود على حافة النهر الخارج من جنان السبيل، و أيضا باب المجلس (لأنه بني بمبادرة من المجلس البلدي الأول لفاس.) فكما جاء في نص فرنسي: [فاس الأبدية والغامضة] “إشترى المجلس البلدي للمدينة زريبة من الشريف مولاي الطاهر العلوي واضطرت البلدية إلى هدم ثلاثة محلات حبوس. و بعد مفاوضات دقيقة، تبلور هذا المشروع وتم شراء الزريبة… وقَبِلَ الحبوس بهدم المحلات التجارية على شرط إستعادة أخرى في نفس القطاع بعد بناء البوابة… وهو ما تحقق إلى حد كبير”. وسمي أيضا الباب الجديدة، والباب الجديد، لأنه باب حديث العهد مقارنة مع أبواب مدينة فاس برمتها.

فقد شرع في إنشائه عام 1913، و تم الإنتهاء من بنائه سنة 1915 أثناء إقامة الجنرال اليوطي في فاس. و سماه الفرنسيون باب الأمة. وسمي كذلك البوابة الفرنسية، لأن بنائه تم بعد إعلان الحماية الفرنسة في المغرب. وقد أثار هذا الباب الجديد الذي بني من قبل الفرنسيين سخط ساكنة فاس على المستعمر الفرنسي، فسموه باب النصارى وتشاءموا منه، حتى رفض البعض المرور من تحت قوسه، بل أفتى بعض علماء فاس “ومن دخله كان كافرا”. ما إضطر الفرنسيين إلى إغلاق باب القصبة ، الذي يقع عن يساره من الجهة الخارجية والذي كان الناس يستعملونه بدلا من الباب الفرنسي الجديد. فإضطر الناس مع الزمن إلى إستعماله محولين إسمه إلى باب بوجلود.

غير إن إسم باب بوجلود يشمل ثلاثة بوابات تقع كلها متقاربة في نفس المنطقة. وتقع بالقرب من بعضها. فعلى يسار باب بوجلود هناك باب بوجلود القديمة التي يرجع تاريخ إنشائها ، حسب بعض المصادر، إلى القرن الثاني عشر ، وفي بعضها الأخر إلى القرن التاسع الميلادي ، كما يقال إنها باب القصبة المرابطية و هي الباب المفضية إلى قصبة فيلالة و الطالعة الكبرى ، وسميت أيضا بباب المطمر نسبة إلى مطامير المرابطين والموحدين للحبوب خارج المدينة.

وهناك باب ثالث يحمل هو الأخر إسم باب بوجلود و هو الذي يقع في نهاية ساحة بوجلود حيث تبدأ طريق سيدي مجبر إلى فاس الجديد. غير أن هذا الباب الذي يجاور باب الشمس ، كانت قد بنته البعثة الإيطالية في الثمانينات من القرن التاسع عشر ، بهندسة أوروبية تتناسب مع بوابة باب الماكينة. وأطلق عليه هو الأخر إسم باب بوجلود. ثم غير بنائه اليوطي سنة 1916 لينسجم مع باقي هندسة الأسوار المحيطة به.

تنفتح باب بوجلود على عدة مئاثر تاريخية مثل قصبة بوجلود المرابطية ولاحقا الموحدية ، قصبة فيلالة أو قصبة النوار، حدائق جنان السبيل ثانوية مولاي ادريس وساحة بوجلود التي كانت تمثل إحدى ساحات الفرجة الشعبية وفنون الشارع من رواة، وبهلوانيين وموسيقيين ، كما أنها تعتبر المدخل الرئيسي إلى المدينة القديمة من غرب عدوة القرويين.

باب الخميس

كان يقع غرب باب المحروق حيث كان سور المدينة يربط بين السور الخارجي لساحة بجلود وهذا الباب الذي كان يمر منه إلى الطريق المؤدي إلى جنان السبيل من الجهة الشمالية. غير أنه اختفى نتيجة أعمال توسعة الطريق الرابطة بين باب الساكمة وخارج باب المحروق. فقد استمد هذا الباب المندثر اسمه من قصبة الخميس، التي يقابلها ضريح العلامة المالكي أبي بكر بن العربي المعافري. ولاحقًا، حل مكان القصبة سوق كبير من أهم أسواق المغرب الأسبوعية، والذي يقام في الهواء الطلق، وهو سوق الخميس. حيث يفد على هذا السوق التجار ومربو الماشية وأهل البوادي من الأماكن البعيدة، وكذا سكان فاس القديم والجديد، للمتاجرة ببضائعهم والتزود بما يحتاجونه في حياتهم العامة. فكان هذا السوق يسمى نسبة إلى يوم انعقاده، سوق الخميس أو ظهر الخميس.

باب الساكمة

لم يتبق من آثار هذا الباب إلا البرجان العاتيان ذوا الأضلع الثمانية، اللذان يقفان على جانبي الطريق الرابط بين منطقة بوجلود والمدينة الحديثة أو طريق مكناس وحامة مولاي يعقوب. وهما من تشييد الحسن الأول في نهاية القرن التاسع عشر. لقد كان هذان البرجان، اللذان يشدان البوابة التي تعود إلى عصر الدولة المرينية، المُؤسسة الأولى لمدينة فاس الجديد أو المدينة البيضاء كما أطلق عليها بعد نشأتها. غير أن هذا الباب أصبح يحمل اسم سيدة صالحة فاضلة، اسمها للا آمنة الساكمة، أي المُصلحة، توفيت سنة 1737م ودفنت بجوار هذا الباب، فغلب اسم مكان دفنها على اسم الباب الذي كان يحمل اسم باب السعادة، لأنه كان مدخلاً إلى الحدائق المرينية البهيجة، التي كانت هناك، وذكرتها كتب المؤرخين. والتي عزم السلطان المريني أبو يوسف يعقوب على إنشاءها كمنتزه شاسع، غير أن المنية وافته، فأتم هذا المشروع الكبير بعد وفاته ابنه يوسف، بعد أن خلفه على سلطة المغرب عام 1287. كانت مساحتها 67 هكتارًا، وكانت تسقى بماء واد فاس، وحتى تصل المياه إلى الحدائق عبر خزان ملحق بباب السعادة، تم بناء ناعورة خشبية كبيرة بلغ قطرها 26 مترًا وعرضها متران، صنعت خصيصًا لري الحدائق. ثم تداعى بنيانه إلى الانهيار في فترة حكم الوطاسيين ثم السعديين الذين وجهوا كل اهتمامهم العمراني إلى مدينة مراكش.

في القرن التاسع عشر، أمر السلطان الحسن بن محمد بتجديد الباب حتى أصبحت هندسته تماثل واجهة باب الدكاكن في الفسيفساء والنقوش. لاحقًا، تم هدم الباب في مرحلة الاستقلال لضرورة توسيع طريق السيارات حتى تصبح قادرة على استيعاب حركة المرور المتزايدة. فلم يبقَ شاهداً على البوابة الأصلية، باب الساكمة، إلا البرجان المذكوران فقط.

باب الدكاكن

كانت في القديم بموقعها الشمالي من المدينة وباب عيون صنهاجة، في الجهة الجنوبية، واليوم تعرف بباب السمارين، المنفذان الرئيسيان إلى فاس الجديد أو المدينة البيضاء، التي أسسها أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني عام 1276.

لهذا الباب ككثير من أبواب فاس أسماء كثيرة، باب الدكاكين، حيث كانت تصطف عن يمينها ويسارها دكاكين تجارة فقيرة ملتصقة بسورها، والتي بقيت متواجدة هناك إلى نهاية الخمسينات من القرن الماضي. كما كانت تسمى باب السبع، يقول روجي لطورنو في كتابه [فاس قبل الحماية]: “لا شك أنه سمي هكذا بسبب صورة كانت تزينه، واندثرت اليوم.” غير أن هناك أسطورة حول هذه التسمية، باب السبع. أوردتها إخباريات الفرنسيين التي ينتصر فيها البطل الأوروبي المسيحي على خصومه المسلمين وينقذه أسد الأطلس من أفعى كبيرة، وخضوع هذا الأسد المسن له، حتى صار له كالقطن الذي يدله على طريق العودة، إلى أن دخل والأسد إلى جانبه من هذا الباب، فسميت باب السبع. كما أنها تشترك مع باب الساكمة في الاسم، نسبة إلى السيدة الورعة المدفونة بجوار البوابة الأصلية، كما سبق ذكره في باب الساكمة.

وسمي أيضًا باب المكينة، لإنفتاحه على الساحة حيث بوابة مصنع الأسلحة الذي أمر ببنائه الحسن الأول سنة 1886. ولسنوات، كانت هذه الساحة المستطيلة المحاطة بالأسوار العاتية، والتي تحدها بوابة مقابلة لها، تسمى باب قبيبات السمن، فضاء لفنون الفرجة الشعبية وعروض الشارع أو ما يعرف بالحلقة. كما كان فضاؤه الداخلي خلفية لمشاهد سنيمائية. والآن أصبح هذا الفضاء، منذ تأسيس مهرجان الموسيقى الروحية لمدينة فاس عام 1994، حكراً على فعاليات هذا المهرجان الذي يعتبر أحد أهم المهرجانات الروحية على الصعيد العالمي.

باب السمارين

باب السمارين، التي كانت تحمل اسم باب صنهاجة، أو باب منابع مياه صنهاجة. ثم أصبح اسمها مقرونًا بحرفة كانت تمارس بقربها، وهي حرفة تغيير وإصلاح صفائح الخيل من خلال تسميرها، باب السمارين. وهي إحدى أهم أبواب مدينة فاس عامة، فقد كانت هذه الباب الجنوبية لفاس الجديد، منذ تأسيس المدينة البيضاء، (تمييزًا لها عن المدينة القديمة وكعاصمة ملكية جديدة منفصلة عن فاس البالي)، تشكل كما سبقت الإشارة إلى ذلك، مدخلاً رئيسيًا إلى مدينة فاس الجديد، إلى جانب باب الدكاكين. فحتى وإن كانت قد أصبحت لاحقًا داخل أسوار المدينة، بعد إنشاء الحي اليهودي، الملاح على جانب فاس الجديد الجنوبي، فقد بقيت حتى اليوم البوابة الرئيسية إلى شارع السوق الرئيسي، الذي يسمى اليوم شارع فاس الجديد الكبير أو طالع وهابط، كما تسميه العامة، والمؤدي إلى الأزقة والشوارع المتاخمة لهذا الشارع مثل “ظهر الحوانت”، “لالة حمامة”، “مولاي علي الشريف”، “سيدي مبارك”، وغيرها، ويصل إلى المدخل الشمالي للقصر الملكي.

ككل الأبواب، تم تعديل هذا الباب بشكل كبير أو إعادة بنائه بصفة تامة عام 1924، من طرف الإدارة الاستعمارية الفرنسية، من أجل تكييفه مع ازدياد حركة المرور، حيث تم إزالة الجدران الداخلية لهذا الممر، حتى يمكن توسيع مجال مرور المركبات بسهولة أكبر. ونتيجة لذلك، أصبح مدخل الباب يحتوي اليوم على ممرين مع عدة قناطر.

يشكل مدخل باب السمارين الحالي حصنًا ذا سمة دفاعية بهندسة عسكرية كثيرًا ما نلاقيها في بوابات مغرب العصور الوسطى، أما مدخل باب السمارين الأصلي فيقع على اليسار من الواجهة الخارجية للبوابة. هذه البوابة التي يحيطها برجان دفاعيان من الجانبين، وهي مزخرفة بزخارف متعددة الأشكال على نمط ما نلاقيه في قصبة النوار أو باب شالة في الرباط. فحتى بعد إعادة بنائها، احتفظت بزخارف تحاكي زخرفتها الأصلية. فالباب يقابل من الجهة الخارجية المفتوحة على شارع بولخصيصات، مدخل الحي اليهودي، الملاح.

باب الجياف

في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، هدم سور الحصن الذي فتح فيه هذا الباب نهائيًا، وهو يعود تاريخ بنائه إلى نهايات القرن 19. وكان يسمى سابقًا باب سيدي بونافع. كباب وجد بين برج سيدي بونافع وبرج بوطويل، اللذان أسسهما السعديون كواجهات دفاعية في الجنوب الشرقي للمدينة البيضاء، فاس الجديد. وفي سنة 1930، تم فتح باب آخر في نفس السور لتسهيل حركة المرور. كان هذا الباب مخرجًا إلى منطقة كانت مخصصة لإلقاء جثث الحيوانات الميتة، من خيل وبغال وحمير، فتظل ملقاة هناك حتى تتعفن وتنهشها الطيور والحيوانات آكلة اللحوم، التي لا رب لها. كانت أماكن الجيفات لا تقتصر على باب الجياف وحدها، بل كانت توجد في أماكن أخرى خارج أبواب مدينة فاس. وبقيت الحالة هكذا على ما هي عليه، حتى دخول الفرنسيين فاس، وإنشاء المستشفى البيطري “الفندق الأمريكي” عام 1927، والذي لا يبعد مكانه كثيرًا عن باب الجياف. ثم تقرر لاحقًا تحويل هذا المكان باب الجياف إلى سوق للخضار.

باب الأمر

هو أحد بوابات المدينة الإدارية والعسكرية المرينية، التي بُنيت بمحيط من الجدران الخارجية والداخلية، تتقارب في بعض المناطق وتتباعد في غيرها. فقد كانت هناك في الشمال الغربي لفاس الجديد منطقة تُعرف في الأصل باسم “حمص”، نسبةً إلى أفواج الرماة السوريين الذين كانوا في خدمة السلطان المريني. وكان هذا الباب هو المدخل الغربي الرئيسي لهذه المنطقة. ويعني اسم “باب الأمر” باب النظام، استنادًا في الغالب إلى ثكنة حراس المدينة التي كانت هناك قرب المدينة. لاحقًا، تم تحويل المنطقة التي عُرفت سابقًا بحمص إلى أول حي خاص باليهود في المغرب (الملاح) في بداية القرن الثالث عشر الميلادي. وفي فترة الدولة السعدية، تم بناء برج المهراس جنوب باب الأمر مباشرة كحصن دفاعي في الجهة الجنوبية الغربية للمدينة. لاحقًا، وبأمر من السلطان العلوي عبد الله بن إسماعيل (1694 ـ 1757) في مرحلة من الاضطرابات، تم هدمه إلى جانب هدم بعض الأسوار المحيطة به، في فترة حكمه الأولى (1729-1734). بعد دخول الفرنسيين إلى المغرب في سنة 1912، حصلت تغييرات كبيرة على المنطقة، لأن الإدارة الفرنسية كانت ترى أن باب الأمر ضيق ولم يعد مناسبًا لتغيرات حركة المرور التي شهدها المحيط. فهدمت قناة المياه القريبة منه وحجمًا هامًا من الجدار المحيط بالباب من أجل فتح طريق رئيسي يمر من أمامه عبر شارع بولخصصات في اتجاه مداخل المدينة القديمة. إضافة إلى إنشاء ساحة مفتوحة مكان المقبرة اليهودية القديمة، والتي أصبحت تحمل اسم ساحة التجارة، واليوم تُعرف بساحة العلويين.

في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، تم بأمر من الملك الحسن الثاني توسيع ساحة العلويين وبناء البوابة الجديدة الشهيرة للقصر الملكي.

باب الحديد

تم بناؤه، حسب إشارة بعض المؤرخين، في منتصف القرن التاسع الميلادي، في فترة الدولة الإدريسية. وهو مدخل ثانوي إلى الجهة الشمالية الغربية لمدينة فاس العتيقة. لا يزال يحتفظ إلى اليوم بشكل بنائه الهندسي الأندلسي. يفضي هذا الباب إلى حدائق الخضروات والفواكه الخصبة (جنانات باب الحديد وباب الجديد) وإلى الطريق الثانوية الرابطة بين باب فاس الإدريسية وفاس المرينية عن طريق باب ريافة. كما أنه يؤدي إلى أحياء ثرية، أكثرها أُنشئ في مرحلة الحماية أو قبلها بقليل، مثل الدوح وصلاح والحامية، وإلى ساحة البطحاء حيث تبدأ سلسلة القصور الملكية. وأهم ما يجاور هذا الباب، ثانوية البنات التي أُنشئت بعد الاستقلال باسم “أم البنين”. وكذا إدارة أحباس القرويين وأحباس مولاي إدريس والمحكمة الابتدائية سابقًا قرب ما يُسمى واد الفجالين.

باب الجديد

من أبواب مدينة فاس العتيقة، التي تم الاستغناء عنها ثم أعيد بناؤها في الفترة الأخيرة على الطراز الهندسي المغربي بقوسين عاليين. وهي تقف على جزء من واد بين المدن، الذي كان يمر بين المدينتين فاس القيروانية والأندلسية، حيث تصل بينهما عدة قناطر بُنيَ أهمها في مرحلة الدولة الزناتية، كقنطرة بين المدن، قنطرة الصباغين وقنطرة النخالين، وتم تجديدها في فترات مختلفة لاحقًا. ثم تمت تغطية الواد في مرحلة منتصف الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي. وإن كانت المصادر لم تزودنا بمعلومات عن تاريخ بناء الباب الأصلي الأول، باب الجديد، حيث لم يكن إلا بابًا يخرج منه القاصدون إلى المزارع أو المقابر، فإن القنطرة التي تحاذيها، قنطرة باب الجديد، قد تفيدنا بمعلومة عن بنائها أو على الأقل تجديدها، من حيث أن السلطان العلوي الرشيد (1631ـ 1672) هو من أمر ببناء هذه القنطرة، والتي كانت تحمل اسم قنطرة بو طوبة.

باب الحمراء

أو باب الجزيين، وهو عن يسار الداخل من باب الفتوح. وهو من أبواب الدولة الإدريسية وكان مدخلاً رئيسيًا إلى عدوة الأندلس قبل إنشاء باب فتوح على يد فتوح بن دوناس. يُنسب هذا الباب في صيغة اسمه الأول الجزيين إلى قبيلة كان مقرها في المنطقة المجاورة له عند تأسيس المدينة على يد إدريس الثاني. كما يرتبط ذكر هذا الباب بأحد كبار علماء الغرب الإسلامي، الذي قال عنه العلامة محمد بن جعفر الكتاني في كتابه “سلوة الأنفاس”: “دراس بن إسماعيل، عالم فاس في عصره، الشيخ العلامة الفاضل، أحد أوتاد المغرب. وممن أدخل مذهب مالك بلاد المغرب.” كان هذا الباب كثير الاستخدام حتى سنة 357 هـ 968 م، سنة وفاة العلامة دراس بن إسماعيل. حيث خرج خلق كثير في جنازته، والكل يجد في حمل نعشه إلى قبره خارج الباب. وعند مرورهم بباب الجزيين، سقط الباب على رؤوس المشيعين لجثمانه. وكان ذلك في أواخر الدولة الإدريسية وبداية قيام الدولة الزناتية. وبقي الباب مغلقًا، وذلك لتوفر عدوة الأندلس على منافذ أخرى، ولاحقًا حل محله باب فتوح الشهير. في سنوات ما بعد الاستقلال، أعيد فتح الباب كمخرج لحركة المرور في اتجاهات مختلفة، منها طريق ضريح سيدي علي بوغالب ومنطقة الحمراء السكنية، ومن هنا حمل اسمه النهائي حتى الآن: باب الحمراء.

كما سبق وقلنا، هناك العديد من أبواب فاس، التي لم يبقَ إلا اسمها في لغة العامة، وقد اقتصرنا فقط على أبواب فاس المفتوحة أو التي كانت مفتوحة في أسوار المدينة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق