انشغل المصريون الأيام الماضية بخبر سرقة مئات الملايين من الجنيهات والذهب من شقة سيدة أعمال مرموقة، ما بين ساخرين وغاضبين ومتعجبين، كيف لسيدة واحدة تمتلك هذه السيولة في منزلها.

رسميا لم يعرف بعد سوى ما ورد في نص البلاغ المقدم من سيدة الأعمال نفسها، لكن تأثير الخبر كان مثل استطلاع شعبي، تحولت القضية إلى قضية رأي عام تختلف حولها الآراء، كاشفة ما لم يتمكن أن تكشفه الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية بكل هذه الدقة.


اختلفت الآراء بين شديد التطرف وبين المدافع باستماتة عن سيدة الأعمال، لكن في مجمل النقاشات كان هناك “غضب” بسبب فجوة غير منطقية بين ثروة شخص يعمل تحت يديه آلاف المصريين في مشروعات مختلفة، يتقاضون مبالغ زهيدة، كيف حدثت هذه الفجوة؟ الإجابة: قانون العمل.

إن حادثة سيدة الأعمال لتكشف بشكل وثيق أن قانون العمل حتى وإن كان أعظم قانون في الدنيا بات الآن مصدرا للثراء الفاحش لرجال وسيدات الأعمال، ومصدرا لزيادة الفقر بين أكثر من 100 مليون مصري، قانون يتسبب في هذه الفجوة هو قانون خليق بالتعطيل الفوري، خليق بالتعديل الفوري، قبل أن يتسبب في عودة الإقطاع مرة أخرى ورجوع مصر للخلف 200 عام.

في الظاهر يعطي القانون للعمال حقوقا مشروعة، لكن على أرض الواقع يتعامى القانون عن حقيقة سير سوق العمل، عن العمالة غير المؤمن عليها، عن حد أدنى للأجور لم يعد له قيمة شرائية فضلا أن يضمن حياة كريمة للعمال، عن ملايين “الزُهرات” الذين يصنعون من عوزهم وفقرهم وحرمانهم إمبراطوريات رجال وسيدات الأعمال، ومع أول فرصة بسبب خبر لا يتجاوز سطر ونصف، قال المصريون كلمتهم في قانون العمل، صوت المصريون بـ”لا” على كل السياسات والقوانين التي يكون من نتائجها تكديس الأموال لدى 1% من المصريين.

هذه الفجوة ليست بين المصريين وبعضهم فقط، ولكن أيضا بين قوانين على الأرض تعرقل جهود الدولة للتنمية، تعرقل أي بارقة أمل في أي إصلاح يطبق في مصر، فجوات تلقى حماية قانونية لكنها لن تلقى حماية سياسية، لن تلقى حماية اجتماعية في وسط غضب يجمع عليه المصريون، وإذا لم يخدم القانون الدولة والمجتمع والمواطن، فهو قانون غير موجود.


. .ygdf