الثلاثاء.. جاليري ضي الزمالك يحتضن معرض “ذاكرة المكان” للفنان محمد الناصر

 

يشهد جاليري ضي الزمالك برئاسة الناقد التشكيلي هشام قنديل، في السادسة من مساء الثلاثاء المقبل، افتتاح معرض الفنان الكبير الدكتور محمد الناصر “ذاكرة المكان”، وتستمر فعالياته حتى ٢٨ يناير الجاري.

يتضمن المعرض ٤٠ لوحة رسمها الفنان محمد الناصر في مراحل مختلفة تمثل ذاكرة للوجوه والأماكن، وسبق له إقامة عدد من المعارض الشخصية والمشاركة في العديد من المعارض الجماعية.

الدكتور محمد الناصر واحد من أهم النقاد في الحركة التشكيلية المصرية، وعن تجربته قال الناقد الكبير الراحل عز الدين نجيب : اختار محمد الناصر – أو قادته موهبته- للسير عكس تيار جيله فترة الثمانينات ، الذى اعتنق الحداثة الغربية وما بعد الحداثة ، وعزف على ألحان أجنبية بعيدا عن الواقع المصري ومعطياته بمنظورها البيئي والحضاري . امتلك الشجاعة ليغرد خارج السرب ، موظفا موهبته اللاقطة لأدق التفاصيل لخلق جمالية خاصة من نثريات الحياة اليومية ، ومن معالم موروثنا الحضاري في العمارة والأزياء والروح الشعبية .

هذه الجمالية تقوم على خلق حالة طازجة من الوهج الضوئي والاشراق اللوني ونبض الحياة الإنسانية ، مفعمة بحركة البشر والألوان والأضواء والظلال ، عبر زحام الحواري والشوارع والأسواق وحياة البسطاء ، دون الوقوع في أسر “التسجيلية” أو “الاستشراقية” حتى وان تماهت مع مفردات الواقع وتقمصت أشكاله ، لكن ثمة ما يميزها عنه ، وهو مايضفيه الفنان على الواقع من حس خاص يحلق باللوحة في المنطقة الوسطية بين التفاصيل والاختزال ، ويسعى الى خلق علاقة محسوبة بين الجزء والمحيط ، وبين الكتلة والفراغ ، والى صنع فضاء أثيري أو سرابى ملون يغلف الواقع الملموس ، وبنقلها الى واقع افتراضي ملتبس بين الحقيقة والخيال .
حتى في أعماله المرسومة بسن الريشة والحبر الأسود؛ فانه يعالج مفرداته ككائنات مجردة ، تتحاور من خلالها الكتل والمساحات فوق فضاء محسوب من الأضواء والظلال بما يعكس حياة متدفقة ، حتى وان غابت عن اللوحة مظاهر الحركة ، وهو ما يحققه ايضا فى تناوله لرسم الوجوه ؛ حيث أنه يحقق معادلة صعبة بين احتشاد التفاصيل وبين البناء النحتى المكين ؛ فمن شأن التفاصيل الكثيرة اضعاف قوة البناء ورسوخه ، لكنه يوظف هذه التفاصيل لتأكيد الكتلة لا اضعافها ، خاصة خطوط التجاعيد على الوجوه والأيدي وثنيات الملابس وزخارفها ، بادماجها داخل نسيج الكتلة بشكل عضوي ، اضافة الى ما تعكسه هذه التفاصيل من تاثيرات الزمن والشيخوخة . ونفس الأمر ينطبق على ما نراه من سيطرة الفنان على السيولة اللونية للألوان المائية في الوقت المناسب للحفاظ على صلابة الكتلة .

وفى لوحات المناظر الخارجية من أحياء القاهرة التاريخية أو من المناطق الصحراوية ، يقيم الفنان معمار اللوحة على محاور رأسية وأفقية ومنحنية ، فى حالة حوار ديناميكي يلعب الضوء فيه دور “المايسترو” او ضابط الايقاع ؛ فامتدادات الخطوط تخضع لحركة ايقاعية يقودها الضوء المتراوح بين الانتشار والانكسار ، وبين الحركة والسكون ، كما يلعب الضوء الدور الأساسي لخلق سطح يحتشد بالتأثيرات الملمسية بين الخشونة والنعومة ، بالرغم من صعوبة تحقيق ذلك حال استخدام الألوان المائية للسيطرة على البناء الكلي .

وفي أحيان أخرى يكاد الضوء أن يغيب عن اللوحة ، مثل لوحات القوارب التي ترسو على شاطئ البحر في سكون أو تتهادى على صفحته ، حيث تغلب الألوان الزرقاء والرمادية متلاشية في فضاء ممتد ، موحية – فى صمت الكائنات – بالخشوع ، أو بنوع من الوشوشة أو التربص أو الاحساس بالغروب أو الشروق ، أو بما يتراءى للمشاهد من خيالات .
وإذا كان هذا المعرض يحفل – بوجه خاص بأعمال لوجوه بعض الشخصيات الأدبية والفنية والسياسية المعروفة عبر الأجيال ؛ فانه يقدم فيها مهاراته المشهودة في رسم “البورتريه” موائما فيها بين مقتضيات الرسم الصحفي التى تحكم عمله ، وبين البناء الفنى الواثق لملامح الوجوه بلمسة انطباعية وشفافية لونية .بجانب ذلك قام برسم “بورتريهات” غير قليلة لفتيات وسيدات جميلات من طبقات اجتماعية مرفهة بأزياء فلكلورية ، وبرسم جداريات ضخمة لمتاحف ومؤسسات صحفية وتعليمية مثل دار أوبرا ومسرح جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا بما تقدمه من حفلات الموسيقى ، أو لتخليد شخصيات تاريخية ، لكن انحيازه الأكبر يظل للمجتمع بطبقاته الشعبية وشخصياته الهامشية ، ملبيا لحاجتهم الى الفن ، ليس كمجرد موضوع للتعبير ؛ بل كمدخل لاشتقاق أسلوب فني يخاطب كل مستويات التلقي ويكسر حاجز التعالى للفن على المجتمع ، محققا فى نفس الوقت رؤية مغايرة بلمسة انطباعية طازجة وحس شاعري مخاتل .

إن أهمية هذه الأعمال تنبع من حاجتنا الى تنوع أساليب التواصل الفني مع المجتمع فى الحركة الفنية المعاصرة بمختلف الرؤى والاتجاهات بما يخاطب شتى الطبقات والمشارب والأذواق ، والى اجتهادات ابداعية تخرج بالفن من عزلته المزمنة ، ليأخذ الفنانون بيد الجمهور إلى عوالمهم ، بدلا من الانتظار طويلا حتى يجتاز هذا الجمهور الحواجز الشاهقة ويصل إليهم.

الرابط المختصر https://alhorianews.com/6naw

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.