يعد التحرش الإداري من أخطر الظواهر السلبية التي تواجه بيئات العمل في العصر الحديث، حيث يتمثل في سلوك سلبي متكرر يمارسه المسؤول تجاه موظفيه، مستغلاً سلطته الإدارية في إيذاء الموظفين معنوياً ومهنياً. يتجلى هذا السلوك في صور متعددة، منها التقليل من شأن الموظف وإنجازاته، والتجاهل المتعمد، والعزل الاجتماعي، ونشر الشائعات المسيئة للسمعة.
وعلى الصعيد المهني، يمتد التحرش الإداري ليشمل ممارسات مؤذية مثل تكليف الموظف بمهام تفوق قدراته، وحجب المعلومات الضرورية لأداء عمله، والتمييز غير المبرر في توزيع المهام والمكافآت، والتهديد المستمر بالفصل أو النقل التعسفي. هذه الممارسات تترك آثاراً سلبية عميقة على نفسية الموظف وأدائه المهني.
وتمتد الآثار السلبية للتحرش الإداري لتطال الموظف نفسياً وجسدياً، فيعاني من اضطرابات نفسية وجسدية، وفقدان الثقة بالنفس، وانخفاض ملحوظ في إنتاجيته، وقد يصل الأمر إلى العزلة الاجتماعية. كما تتأثر بيئة العمل ككل، فتتدهور العلاقات المهنية، وينتشر الخوف والتوتر بين الموظفين، وتضعف روح الفريق، مما يؤدي إلى تراجع الأداء المؤسسي بشكل عام.
ولمواجهة هذه الظاهرة، يتعين على الموظف المتعرض للتحرش توثيق كافة حالات التحرش التي يتعرض لها، والتواصل مع الجهات المختصة في المؤسسة، وطلب الدعم النفسي والقانوني عند الحاجة. كما يجب أن يكون على دراية كاملة بحقوقه وواجباته الوظيفية.
أما على مستوى المؤسسة، فيجب عليها وضع سياسات واضحة وصارمة لمكافحة التحرش الإداري، وتوفير قنوات آمنة للإبلاغ عن حالات التحرش، مع ضمان سرية المعلومات وحماية المبلغين. كما يجب تدريب المديرين على أساليب القيادة الإيجابية، وتطبيق إجراءات تأديبية صارمة بحق المتحرشين.
وللوقاية من هذه الظاهرة، يجب نشر الوعي بمفهوم التحرش الإداري وأشكاله وآثاره، وتعزيز ثقافة الاحترام المتبادل في بيئة العمل. كما يجب تطوير آليات الرقابة والمتابعة، وتفعيل دور إدارة الموارد البشرية في حماية الموظفين، مع العمل على تحديث التشريعات والقوانين التي تحمي حقوق الموظفين.
وفي حال وقوع التحرش، يحق للموظف اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، بدءاً من التظلم الإداري، ورفع شكوى رسمية، وصولاً إلى اللجوء للقضاء عند الضرورة والمطالبة بالتعويض المادي والمعنوي. كما يجب على المؤسسات توفير خدمات الإرشاد النفسي وبرامج إعادة التأهيل المهني للموظفين المتضررين، مع تقديم الدعم الاجتماعي والمعنوي اللازم لمساعدتهم في التعافي والانتقال إلى بيئة عمل صحية.
إن مكافحة التحرش الإداري مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع، من موظفين ومديرين ومؤسسات، وتتطلب تضافر الجهود وتكاملها لخلق بيئة عمل آمنة وصحية تحفظ كرامة الموظف وتضمن حقوقه وتحقق الإنتاجية المرجوة.