فيما وُصف بأنه مسمار جديدة في نعش الحلم الأمريكي القائم على المساواة أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) مذكرة رسمية أمرت بموجبها جميع القادة العسكريين بإجراء سحب ومراجعة دقيقة وشاملة لجميع الكتب الموجودة في مكتباتهم والتي تتناول قضايا التنوع، ومكافحة العنصرية، والنوع الاجتماعي، يأتي هذا التوجيه المفاجئ في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة نقاشات حادة ومستمرة حول هذه القضايا الاجتماعية الحساسة، وتأثيرها المحتمل على المؤسسات المختلفة، بما في ذلك الجيش.
الروح المعنوية والانضباط والوحدة داخل صفوف الجيش
لم تكشف المذكرة الصادرة عن البنتاجون عن الأسباب المحددة التي دفعت إلى اتخاذ هذا الإجراء غير المسبوق. ومع ذلك، من المرجح أن يكون القرار نابعًا من مخاوف لدى بعض المسؤولين بشأن المحتوى الذي يتم تداوله في المكتبات العسكرية، واحتمالية تأثيره على الروح المعنوية والانضباط والوحدة داخل صفوف الجيش، وقد تكون هناك أيضًا ضغوط من جهات سياسية أو جماعات معينة ترى أن بعض هذه الكتب تروج لأيديولوجيات “مثيرة للانقسام” أو تتعارض مع القيم الأساسية للمؤسسة العسكرية.
تساؤلات حول مصير هذه الكتب
وبموجب هذا الأمر، يتعين على القادة العسكريين على اختلاف رتبهم ومواقعهم تحديد جميع الكتب التي تندرج ضمن الفئات المذكورة – التنوع، مكافحة العنصرية، والنوع الاجتماعي – وسحبها من المكتبات العسكرية مؤقتً، بعد ذلك، سيقوم هؤلاء القادة أو لجان يتم تشكيلها خصيصًا لهذا الغرض بمراجعة محتوى هذه الكتب بعناية.
لم تحدد المذكرة المعايير الدقيقة التي سيتم على أساسها تقييم الكتب، أو الإجراءات التي ستتخذ بشأن الكتب التي تعتبر “غير مناسبة”. ويثير هذا الغموض تساؤلات حول مصير هذه الكتب واحتمالية إزالتها بشكل دائم من المكتبات العسكرية، كما أن عدم وجود إجراءات محددة وشفافة يزيد من المخاوف بشأن احتمالية فرض رقابة غير مبررة على المحتوى الفكري المتاح لأفراد الجيش. وبينما لم تقدم وزارة الدفاع حتى الآن أي تفاصيل إضافية حول هذه المسألة الحساسة، يستمر الجدل والتكهنات حول المعايير التي ستُستخدم لتقييم الكتب والإجراءات التي ستُتخذ بشأنها، مما يلقي بظلال من الشك على مستقبل التنوع الفكري في المكتبات العسكرية الأمريكية.
وقد أثارت هذه التوجيهات ردود فعل متباينة، حيث رحب بها بعض المحافظين الذين يرون أنها خطوة ضرورية لتعزيز الوحدة والتركيز على المهام الأساسية للجيش. في المقابل، عبر العديد من المدافعين عن التنوع والمساواة عن قلقهم، مشيرين إلى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تراجع الجهود المبذولة لضمان تمثيل متساوٍ لجميع الفئات في الجيش، وتقويض الجهود الرامية إلى مكافحة التمييز والتحيز.
قضايا التنوع والمساواة داخل الجيش الأمريكي
ويشير محللون إلى أن هذه التوجيهات تعكس التوجهات السياسية الأوسع للإدارة الحالية، التي تتبنى موقفًا محافظًا بشأن قضايا التنوع والمساواة، هي انعكاس واضح للتوجهات السياسية الأوسع التي تتبناها الإدارة الحالية بقيادة الرئيس دونالد ترامب. فمنذ توليه منصبه، تبنت الإدارة موقفًا محافظًا بشكل متزايد بشأن قضايا التنوع والمساواة، حيث تم التركيز على مفاهيم مثل “الجدارة” و”الوحدة” على حساب الجهود الرامية إلى تحقيق تمثيل متساوٍ لجميع الفئات في المؤسسات الحكومية، بما في ذلك الجيش. ويرى المراقبون أن هذه التوجهات تعكس رؤية سياسية تسعى إلى إعادة تعريف مفهوم “المساواة” بحيث يركز على الفرص المتساوية بدلاً من النتائج المتساوية.
وتعد هذه التوجيهات الأكثر شمولا وتفصيلا حتى الآن في حملة وزير الدفاع الأمريكي بيتر هيغسيث للتخلص من برامج وسياسات ومواد تعليمية تتعلق بالتنوع والمساواة في الجيش، ويأتي ذلك في أعقاب جهود مشابهة لإزالة مئات الكتب من مكتبات الأكاديميات العسكرية.
وكان وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث أعلن الشهر المنصرم أن البنتاغون سيخفض من إنفاقه “غير الضروري” بمقدار 5.1 مليار دولار، وأشار هيجسيث وقتذاك إلى وقف أحد عشر عقدا يتعلق بالتنوع والمساواة والإدماج، والمناخ والاستجابة لجائحة كوفيد-19 و”أنشطة غير أساسية” أخرى، وأوضح “نحن بحاجة إلى هذه الأموال من أجل تحسين الرعاية الصحية لمقاتلينا وعائلاتهم، بدلا من دفع 500 دولار في الساعة لمستشارين”.
وبيت هيجسيث عسكري ومذيع وكاتب أميركي محافظ، ومن قدامى المحاربين في الجيش الأميركي، خدم في العراق وأفغانستان ومعتقل غوانتانامو، وهو واحد من أبرز وجوه الشاشة الأميركية، إذ ظهر في برامج رئيسية عدة على قناة فوكس نيوز، ومنها سطع نجمه وبدأ يروج لسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب.