تُعد الإجازة السنوية حقًا قانونيًا لا جدال فيه لكل عامل، وهي ليست ترفًا بل ضرورة لصحة الموظف الجسدية والنفسية، واستقراره الاجتماعي، وإنتاجيته المهنية.
وفي ظل التطورات المستمرة التي يشهدها سوق العمل المصري، تزداد أهمية فهم العامل وصاحب العمل على حد سواء لما ينص عليه قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003 بشأن الإجازات، خصوصًا في القطاع الخاص، وما طرأ عليه من تعديلات مستجدة خلال السنوات الأخيرة.
فهل تعرف متى يحق لك الحصول على إجازتك السنوية؟ وكم عدد الأيام التي تستحقها؟ وماذا يقول القانون بشأن الإجازات العرضية والمرضية والعطلات الرسمية؟ هذا ما سنوضحه بالتفصيل في هذا التقرير.
الإجازة السنوية في قانون العمل المصري: حق لا يمكن التنازل عنه
ينص المادة 47 من قانون العمل المصري على أن العامل يستحق إجازة سنوية مدفوعة الأجر لمدة 21 يومًا إذا أمضى سنة كاملة في الخدمة.
وتزيد المدة إلى 30 يومًا إذا تجاوز العامل عشر سنوات من العمل لدى نفس صاحب العمل أو أكثر، أو إذا بلغ العامل سن الخمسين.
ومن اللافت في هذه المادة أنها وضعت حدًا أدنى من الحماية للعامل، بحيث لا يجوز لصاحب العمل احتساب أيام الإجازات الرسمية أو الراحة الأسبوعية ضمن الإجازة السنوية، ما يعزز من استفادة العامل الحقيقية من فترة الراحة.
نقطة مهمة: لا يجوز للعامل التنازل عن حقه في الإجازة السنوية، لا مقابل مادي ولا لأي سبب آخر، إلا عند انتهاء علاقة العمل، وهو ما تنص عليه المادة (48) من نفس القانون.
متى تبدأ أحقية العامل في الإجازة السنوية؟
يُشترط أن يكون العامل قد أمضى 6 أشهر على الأقل في الخدمة ليبدأ في الاستفادة من إجازة سنوية محسوبة بنسبة المدة التي قضاها في العمل.
وبالتالي، حتى من لم يُكمل سنة عمل كاملة له الحق في الحصول على إجازة، ما دام قد استوفى هذا الشرط.
وهنا تظهر مرونة القانون في احترامه للحق الإنساني للعامل في الراحة، وعدم اقتصار الإجازات على القدامى فقط.
هل هناك حالات يحصل فيها العامل على إجازة أطول؟
نعم. يتمتع العامل بإجازة أطول – 7 أيام إضافية – إذا كان يعمل في أعمال خطرة أو شاقة أو في مناطق نائية.
ويصدر بذلك قرار من الوزير المختص، بعد استشارة الجهات المعنية، ويشمل هذا القرار قطاعات مثل التعدين، والبتروكيماويات، والمناجم، وغيرها.
الإجازة العرضية: مرونة القانون لمواجهة الطوارئ
تُعرف الإجازة العرضية بأنها تلك الإجازة التي يحصل عليها العامل لأسباب طارئة وغير متوقعة.
ويمنح القانون العامل 6 أيام عرضية في السنة، بحد أقصى يومين في كل مرة، على أن تُحتسب من الإجازة السنوية.
وهو ما يعكس حرص المشرّع على تمكين العامل من التكيّف مع الظروف المفاجئة دون الإضرار بحقوقه السنوية.
الإجازة المرضية: بين الحق والواجب
عند المرض، يُسمح للعامل بالحصول على إجازة مرضية وفقًا لشهادة طبية معتمدة. وخلال أول 90 يومًا، يُمنح العامل 75% من أجره، وتختلف النسب بعد ذلك وفقًا لقانون التأمينات الاجتماعية.
وللعامل الحق في دمج رصيد إجازاته السنوية مع المرضية أو تحويل المرضية إلى إجازة سنوية إذا سمحت الظروف، مما يوفر مرونة في التوفيق بين الراحة الصحية والمتطلبات الإدارية.
العطلات الرسمية في القانون المصري
وفقًا للمادة (52) من قانون العمل، للعامل الحق في الحصول على 13 يومًا عطلة رسمية بأجر كامل في السنة، تشمل الأعياد والمناسبات الوطنية والدينية.
وإذا اقتضت ظروف العمل تشغيل العامل في هذه الأيام، فله الحق في أجر مضاعف، أو في يوم راحة بديل.
إجازة الحج: لمرة واحدة في العمر
ينص القانون في مادته (53) على حق العامل في الحصول على إجازة مدفوعة الأجر لمدة شهر كامل لأداء فريضة الحج أو زيارة بيت المقدس، بشرط أن يكون قد أمضى 5 سنوات متتالية لدى نفس صاحب العمل، وتُمنح هذه الإجازة مرة واحدة فقط طوال فترة العمل.
ماذا عن العاملات؟ إجازة الأمومة مكفولة
للعاملة الحق في إجازة أمومة مدتها 90 يومًا بأجر كامل، وتشمل هذه الفترة ما قبل وبعد الولادة، بشرط أن تكون قد أمضت فترة خدمة لا تقل عن عشرة أشهر، ولا يجوز تشغيلها خلال 45 يومًا التالية للوضع.
هل يحق للعامل تحديد موعد الإجازة السنوية؟
في الحالات العادية، يحدد صاحب العمل موعد الإجازة بما يتناسب مع سير العمل، إلا أن المادة 49 تمنح العامل حق اختيار توقيت إجازته السنوية إذا كان مقدمًا لأداء امتحانات دراسية، بشرط إخطار جهة العمل قبل 15 يومًا على الأقل.
ماذا عن حالات الوفاة؟
رغم أن القانون لم يُفرد نصًا مستقلًا لإجازة الوفاة، فإن العديد من المؤسسات تمنح العامل إجازة وفاة مدفوعة تتراوح بين 3 إلى 5 أيام عند وفاة أحد الأقارب من الدرجة الأولى.
وتُعد هذه من الأعراف المتبعة وتُدرج عادة في اللوائح الداخلية للشركات.
خلاصة: الإجازة السنوية ليست رفاهية
إن الإجازة السنوية في قانون العمل المصري هي أكثر من مجرد راحة مؤقتة؛ هي أداة لحماية صحة العامل النفسية والجسدية وضمان استمرارية الإنتاجية وخلق بيئة عمل إنسانية مستدامة.
ولذا فإن الوعي الكامل بحقوقك كعامل، أو بواجباتك كصاحب عمل، ضروري لتطبيق القانون بعدالة.
وفي ظل التحولات الاقتصادية الراهنة، تبقى الإجازة السنوية أحد أعمدة التوازن في علاقة العمل، حيث لا يمكن تحقيق النمو بدون موظف مرتاح، ولا يمكن ضمان الاستمرارية دون قانون عادل يحكم العلاقة بين الطرفين.