في لحظة فارقة من تاريخ الوطن، تتطلب فيها الدولة المصرية تماسكًا داخليًا والتفافًا وطنيًا صادقًا، نجد أنفسنا أمام مجموعة من القرارات والتوجهات التي تُثير علامات استفهام كبرى، ليس فقط بشأن توقيتها، بل بشأن من يقف خلفها، ومن يتحمل مسؤولية آثارها الاجتماعية والدستورية والقانونية.
أعلن دعمي الكامل للنائب والإعلامي الكبير مصطفى بكري، الذي تحدث بشجاعة وصدق عن خطورة تمرير تعديلات قانون الإيجار القديم في هذه المرحلة الحرجة.
وأضيف إلى ذلك، وبكل وضوح، أن الأخطر من مشروع قانون الإيجار هو ما نراه اليوم من فرض رسوم باهظة على درجات التقاضي من قبل بعض رؤساء محاكم الاستئناف، في سابقة خطيرة تُهدد مبدأ العدالة ذاته.
القضاء لا يُفترض أن يكون مجالًا للتمييز الطبقي، ولا يجوز دستوريًا أن يُحرم مواطن من اللجوء للقضاء لمجرد أنه لا يملك المال الكافي لسداد رسوم متضخمة.
هذه الرسوم غير دستورية وغير قانونية، وتشكل عدوانًا على نص المادة (97) من الدستور، التي جعلت التقاضي حقًا مكفولًا ومصونًا للجميع. العدالة لا تُقاس بالقدرة على الدفع، بل بالحق في الوصول إليها.
ما يحدث الآن يعيدنا لعصور مظلمة، تصبح فيها العدالة “لمن يستطيع إليها سبيلًا”، وهو خطر حقيقي يُهدد استقرار المجتمع وثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.
اقرأ أيضًا: “عاوزين البلد تروح فين؟”.. مصطفى بكري ينتقد الصيغة الحالية لقانون الإيجار
ربما يكون مشروع تعديل الإيجار القديم قد أخذ نصيبه من الجدل، لكن الأخطر والأكثر هدوءًا هو ما يحدث في أروقة بعض المحاكم، حيث تُفرض رسوم تتجاوز مئات وآلاف الجنيهات على المواطنين دون سند تشريعي واضح، وبدعوى تحسين الخدمة أو تنظيم الإجراءات، بينما الحقيقة أن المواطن يُسحق اقتصاديًا، ويُمنع فعليًا من ممارسة حقه الدستوري في التقاضي.
هذه القرارات، سواء في ملف الإيجار أو ملف التقاضي، تؤدي في النهاية إلى نتيجة واحدة: شحن المواطن ضد الدولة، وخلق فجوة خطيرة بين الشارع ومؤسسات الحكم.
وهذا تحديدًا ما حذر منه مصطفى بكري، وننضم إليه في هذا التحذير، دفاعًا عن الاستقرار الاجتماعي والحق الدستوري.
إن الدولة تمر اليوم بأزمات مركبة: اقتصاد منهك، أسعار متصاعدة، تحديات خارجية في غزة وليبيا وإثيوبيا، أزمات مياه وتنمية واستثمار، وأعباء تضغط على كل بيت مصري.
وفي ظل كل ذلك، كيف نجد من يصدر قرارات قد تُفهم – بحق أو بغير حق – على أنها تجاهل لمعاناة الناس، أو استخفاف بمطالبهم، أو استفزاز غير مبرر للشارع؟
الرئيس عبد الفتاح السيسي يسير في طريق بناء دولة قوية حديثة، لا تُقصي أحدًا ولا تظلم أحدًا. وقد قالها مرارًا: “ما حدش هيقدر على المصريين طول ما إحنا إيد واحدة.”
فكيف يُعقل أن يكون هناك من داخل مؤسسات الدولة مَن يدفع في اتجاه الفرقة والانقسام؟ من الذي يعبث بوحدة الصف؟ ومن الذي يصدر قرارات تُشعل الشارع بدل أن تُطفئه؟
وأنا، كأحد أبناء جيل الوسط في نقابة المحامين، أعلنها صراحة: نحن في صف الدولة، وفي صف الرئيس، وفي صف القوات المسلحة، من أجل الحفاظ على كيان هذا الوطن، ومن أجل استكمال مشروع البناء، ولكننا في ذات الوقت نقول: لا تبنوا بيد وتهدموا بالأخرى.
لا ترفعوا شعارات العدالة، وتغلقوا أبوابها أمام المواطن.
لا تتحدثوا عن دولة القانون، وأنتم تُعطلون الدستور.
إن ما يجري يستوجب وقفة وطنية، ومراجعة شاملة، وتدخلًا حكيمًا من القيادة السياسية، لوضع حد لهذه السياسات الارتجالية، وحماية الثقة المتبقية بين المواطن والدولة.
الوطن لا يُدار بالعشوائية، ولا يتحمل كلفة القرارات المتعجلة.
والشعوب لا تنهزم من الخارج، إنما تسقط حين تختلف من الداخل.