تشهد شبه القارة الهندية تصعيدًا جديدًا يعيد إلى الأذهان مشاهد الحروب الباردة والحدودية بين الهند وباكستان، الدولتين النوويتين اللتين لا تزال علاقتهما رهينة التاريخ والدم والهوية. وفي ظلّ التغيرات الجيوسياسية في المنطقة وتنامي النفوذ الصيني، يزداد خطر الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة، لا سيما مع التوترات الأخيرة التي شهدتها مناطق التماس في كشمير، وتزايد النشاط العسكري من الطرفين. وبينما يراقب العالم بحذر، يغيب الموقف العربي، وتبدو منظمة التعاون الإسلامي عاجزة عن تقديم رؤية أو دور فاعل.

توتر دائم في ظلّ الردع النووي

الهند وباكستان، دولتان تحملان إرثًا من النزاع والتوجّس، تسيران اليوم على حافة الهاوية، حيث اندلعت اشتباكات متقطعة في الأسابيع الأخيرة على طول خط المراقبة في كشمير، أدت إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين والعسكريين على الجانبين. وقد أعقبت هذه الاشتباكات تقارير عن تحشيد للقوات الهندية في القطاع الشمالي، قابلها مناورات عسكرية باكستانية تحت شعار “الردع الكامل”.
ورغم استمرار مبدأ الردع النووي، الذي يمنع نشوب حرب شاملة، إلا أن حالة “الاشتباك المحسوب” باتت نهجًا معتمدًا، تُستغَلّ فيه التوترات لتعزيز المواقع الداخلية أو إرسال رسائل إلى القوى الدولية.


الصراع كمرآة لصراع القوى الكبرى

تتداخل أزمة الهند وباكستان مع أجندات القوى العظمى. فقد أرسلت الولايات المتحدة مؤخرًا إشارات دعم صريح للهند، في إطار شراكتها الإستراتيجية لمواجهة الصين، ما أثار قلق باكستان التي عززت تعاونها الأمني مع بكين، خاصة في مشروع الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني.
وفي خلفية هذا التصعيد، برزت المناورات البحرية المشتركة بين الهند وقوى غربية مثل فرنسا وأستراليا في المحيط الهندي، بينما أجرت باكستان مناورات مماثلة مع الصين وتركيا في بحر العرب، في مشهد يعكس اصطفافات جديدة تُعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية.

التأثير على دول الجوار والمنطقة

لا يهدد التصعيد الجاري الدولتين المتصارعتين فحسب، بل يمتد أثره إلى كامل الإقليم. الصين، التي تربطها نزاعات حدودية مع الهند، تتابع عن كثب تحركات نيودلهي في منطقة لاداخ، بينما تؤكد دعمها لسيادة باكستان في كشمير. أما إيران، القريبة جغرافيًا، فتتخذ موقفًا حذرًا خشية ارتدادات أمنية على حدودها الشرقية، لا سيما مع تنامي نشاط الجماعات المسلحة في إقليم بلوشستان.
وفي الخليج، تتزايد المخاوف من أن يؤدي أي تصعيد إلى تهديد أمن الملاحة والطاقة، خصوصًا مع تقاطع طرق التجارة البحرية في بحر العرب وخليج البنغال. كما يهدد الاستقطاب الإقليمي مصالح ملايين العمالة الوافدة من الهند وباكستان إلى دول الخليج، ما قد يخلق ضغوطًا اقتصادية وسياسية يصعب احتواؤها.

موقف العرب ومنظمة التعاون الإسلامي: الغياب أو التواطؤ…؟

في مواجهة هذا التصعيد، يبدو الموقف العربي مشلولًا. فباستثناء بعض التصريحات الرمزية من منظمة التعاون الإسلامي، لا يوجد موقف موحد أو إستراتيجية عربية واضحة تجاه قضية كشمير، أو التوتر بين دولتين تنتميان للعالم الإسلامي وتضمان عشرات الملايين من المسلمين.

ويبدو أن الحسابات الاقتصادية –خصوصًا مع الهند– تلجم معظم العواصم العربية عن اتخاذ أي موقف داعم لباكستان أو حتى محايد، فيما توظف نيودلهي هذه العلاقات في كسب الشرعية الدولية لسياستها في كشمير، وسط صمت إسلامي ودولي لافت.


في المقابل، تحاول دول مثل تركيا وماليزيا رفع الصوت حول معاناة مسلمي كشمير، ولكن من دون تأثير فعلي، في ظل غياب التنسيق مع باكستان والانقسامات العميقة داخل منظمة التعاون الإسلامي.

اليوم، وفي ظل طبول الحرب التي تُقرَع على حدود كشمير، يجب على العرب ألا يكتفوا بدور المراقب أو المتفرّج. فالدعم الحقيقي لاستقرار جنوب آسيا يبدأ بإحياء دور الوساطة، وتفعيل القنوات الدبلوماسية بين الطرفين، والدعوة إلى حوار شامل تحت مظلة إسلامية أو دولية.

على منظمة التعاون الإسلامي أن تستعيد دورها، لا عبر البيانات الشكلية، بل من خلال تشكيل لجنة اتصال دائمة بشأن كشمير، كما فعلت سابقًا مع قضية فلسطين، والضغط السياسي والدبلوماسي والاقتصادي لضمان احترام حقوق المسلمين في الإقليم.

فما يحدث في جنوب آسيا ليس شأنًا داخليًا بين دولتين متجاورتين فقط، بل هو اختبار حقيقي لمكانة العرب والمسلمين في النظام الدولي، وقدرتهم على تشكيل موقف مستقل في قضايا تلامس جوهر العدل والأمن الإقليمي!!.


. .7l0g